سبب النزول
جاء في تفاسير "التبيان" و"مجمع البيان" و"روح المعاني" حول سبب نزول هاتين الآيتين، أنّ عدداً من اليهود جاءوا إِلى النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا له: لو كنت يحقّاً نبيّاً مرس من قبل الله فأرنا كتابك السماوي كلّه دفعة واحدة، كما جاء موسى بالتوراة كلّها دفعة واحدة، فنزلت الآيتان جواباً لهؤلاء اليهود.
التّفسير
هدف اليهود من اختلاق الأعذار:
تشير الآية الأُولى إِلى طلب أهل الكتاب "اليهود" من النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يينزل عليهم كتاباً من السماء كام وفي دفعة واحدة، فتقول: (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء...).
ولا شك أنّ هؤلاء لم يكونوا صادقين في نواياهم مع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأنّ الهدف من نزول الكتاب السماوي هو الإِرشاد والهداية والتربية، وقد يتحقق هذا الهدف أحياناً عن طريق نزول كتاب كامل من السماء دفعة واحدة، وأحياناً أُخرى يتحقق الهدف عن طريق نزول الكتاب السماوي على دفعات وبصورة تدريجية.
وبناء على هذا فقد كان الأجدر باليهود أن يطالبوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدليل ويسألوه عن تعاليم سامية قيمة، لا أن يحددوا له طريقة لنزول الكتب السماوية ويطالبوه بأن ينزل عليهم كتاباً الطريقة التي عينوها.
ولهذا السبب فضح الله نواياهم السيئة بعد طلبهم هذا، وأوضح للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّهذا العمل هو ديدن اليهود، وأنّهم معروفون بصلفهم وعنادهم واختلاقهم الأعذار مع نبيّهم الكبير موسى بن عمران(عليه السلام)، فقد طلب هؤلاء من نبيّهم ما هو أكبر وأعجب إذ سألوه أن يريهم الله جهاراً وعلناً! تقول الآية: (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة...).
وما مصدر هذا الطلب العجيب الغريب البعيد عن المنطق غير الصلف والعناد، فهم بطلبهم هذا قد تبنّوا عقيدة المشركين الوثنيين في تجسيد الله وتحديده، وقد أدى عنادهم هذا إِلى نزول عذاب الله عليهم، صاعقة من السماء أحاطت بهم لما ارتكبوه من ظلم كبير، تقول الآية: (فأخذتهم الصّاعقة بظلمهم).
ثمّ تشير الآية إِلى عمل قبيح آخر ارتكبه اليهود، وذلك حين لجؤا إِلى عبادة العجل بعد أن شاهدوا بأعينهم المعجزات الكثيرة والدلائل الواضحة، فتقول: (ثمّ اتّخذوا العجل منبعد ما جاءتهم البيّنات...).
ومع كل هذا الصلف والعناد والشرك، يريهم الله لطفه ورحمته ويغفر لهم لعلهم يرتدعوا عن غيّهم، ويهب لنبيّهم موسى(عليه السلام) ملكاً بارزاً وسلطاناً مبيناً، ويفضح السامري صاحب العجل ويخمد فتنته وفي هذا تقول الآية: (فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطاناً مبيناً).
﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء﴾ سأله أحبار اليهود أن يأتيهم بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى أو كتابا مكتوبا من السماء كما كانت التوراة على الألواح أو كتابا إلينا بأعياننا بأنك رسول الله ﴿فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ﴾ جواب شرط مقدر أي إن استعظمت ذلك فقد سألوا موسى أعظم منه ﴿فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً﴾ عيانا ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ نار نزلت فأهلكتهم ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ وهو سؤالهم المستحيل ﴿ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ﴾ إلها ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ على التوحيد ﴿فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ﴾ بترك استئصالهم ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾ عليهم إذ أمرهم بقتل أنفسهم توبة فأطاعوه.