وقد تباهى هؤلاء الجناة وافتخروا بقتلهم الأنبياء، وزعموا أنّهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم رسولالله، تقول الآية: (وقولهم إِنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله...) ولعل هؤلاء كانوا يأتون بعبارة "رسول الله" استهزاء ونكاية، وقد كذبوا بدعواهم هذه في قتل المسيح، فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، بل صلبوا شخصاً شبيهاً بعيسى المسيح(عليه السلام)، وإِلى هذه الواقعة تشير الآية بقولها: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم...)
وأكّدت الآية أنّ الذين اختلفوا في أمر المسيح(عليه السلام) كانوا - هم أنفسهم - في شك من أمرهم، فلم يكن أحدهم يؤمن ويعتقد بما يقول، بل كانوا يتبعون الأوهام والظن، تقول الآية: (وإِنّ الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إِلا اتباع الظن...).
وقد بحث المفسّرون حول موضوع الخلاف الوارد في هذه الآية، فاحتمل بعضهم أن يكون الخلاف حول منزلة ومقام المسيح(عليه السلام) حيث اعتبره جمع من المسيحيين ابناً لله، ورفض البعض الآخر - كاليهود - كونه نبّياً، وإن كل هؤلاء كانوا على خطأ من أمرهم.
وقد يكون المقصود بالخلاف هو موضوع كيفية قتل المسيح(عليه السلام) حيث قال البعض بأنّه قتل، وقال آخرون بأنّه لم يقتل، ولم يكن أي من هاتين الطائفتين ليثق بقول نفسه.
أو لعل الذين ادعوا قتل المسيح وقعوا في شك من هذا الأمر لعدم معرفتهم بالمسيح(عليه السلام)، فاختلفوا في الذي قتلوه هل كان هو المسيح، أو هو شخصغيره... ؟!
﴿وَقَوْلِهِمْ﴾ اجتراء على الله وافتخارا ﴿إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ﴾ أي بزعمه ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾ مر في آل عمران ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ فمن قائل رفع إلى السماء وآخر قتلناه وثالث صلب الناسوت وصعد اللاهوت ﴿لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ﴾ لالتباس الأمر عليهم ﴿مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ منقطع أي لكنهم يتبعون الظن ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ قتلا يقينا كما زعموا أو متيقنين أو هو تأكيد للنفي.