وعلى هذا الأساس فإِنّ صلة الوحي ظلت باقية بين البشر، ولم يكن من عدل الله أن يترك البشر دون مرشد أو قائد، أو أن يتركهم دون أن يعين لهم واجباتهم وتكاليفهم، وهو الذي بعث الأنبياء والرسل للبشر مبشرين ومنذرين، لكي يبشروا الناس برحمته وثوابه، ويُنذرونهم من عذابه وعقابه لكي يتمّ الحجة عليهم فلا يبقى لهم عذر أو حجّة، تقول الآية: (يرس مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل).
فقد أحكم الله العزيز القدير خطّة إِرسال الأنبياء ونفذها بكل دقة، وبهذا تؤكد الآية (وكان الله عزيزاً حكيماً) فحكمته توجب تحقيق هذا العمل، وقدرته تمهد السبيل إِلى تنفيذه، وعلى عكس ذلك فإِن إِهمال هذا الأمر المهم، إمّا أن يدل على الإِفتقار إِلى الحكمة والمعرفة، أو أنّه دلالة على العجز، والله منزّه عن كل هذه العيوب.
﴿رُّسُلاً﴾ نصب على المدح أو بإضمار أرسلنا ﴿مُّبَشِّرِينَ﴾ بالثواب للمطيعين ﴿وَمُنذِرِينَ﴾ بالعقاب للعاصين ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ فيقولوا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ﴿وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا﴾ لا يقهر ﴿حَكِيمًا﴾ فيما يدبر.