سبب النزول
نقل الكثير من المفسرين عن جابر بن عبدالله الأنصاري قوله بأنّه كان يعاني من مرض شديد، فعاده النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوضأ عنده ورشّ عليه من ماء وضوئه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فذكر جابر - وهو يفكر في الموت - للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ ورثته هن اخواته فقط، واستفسر من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كيفية تقسيم الإِرث بينهنّ، فنزلت هذه الآية والتي تسمّى - أيضاً - بـ "آية الفرائض" وبيّنت طريقة تقسيم الإِرث بينهنّ (وقد وردت الرّواية المذكورة أعلاه بفارق طفيف في تفاسير"مجمع البيان" و"التبيان" و"المنار" و"الدر المنثور" وغيرها من التفاسير...).
يويعتقد البعض أن هذه الآية هي آخر آية من آيات الأحكام نزو على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
التّفسير
تبيّن الآية الواردة أعلاه كمية الإِرث للأُخوة والأخوات، وقد بيّنا في أوائل سورة النساء - في تفسير الآية الثانية عشر منها - إِنّ القرآن اشتمل على آيتين توضحان مسألة الإِرث للأخوة والأخوات وإِن إِحدى هاتين الآيتين هي الآية الثانية عشرة من سورة النساء، والثانية هي الآية الأخيرة موضوع بحثنا هذا وهي آخر آية من سورة النساء.
وعلى الرغم ممّا ورد من إختلاف في الآيتين فيما يخص مقدار الإِرث، إِلاّ أنّ كل آية من هاتين الآيتين تتناول نوعاً من الأخوة والأخوات كما أوضحنا في بداية السورة.
فالآية الأُولى تخصُّ الأُخوة والأخوات غير الأشقاء، أي الذين هم من أُمّ واحدة وآباء متعددين.
أمّا الآية الثانية أي الأخيرة، فهي تتناول الإِرث بالنسبة للأخوة الأشقاء، أي الذين هم من أُمّ واحدة وأب واحد، أو من أُمهات متعددات وأب واحد.
والدليل على قولنا هذا، أن من ينتسب إِلى شخص المتوفى بالواسطة يتعين إِرثه بمقدار ما يرثه الواسطة من شخص المتوفى.
فالأُخوة والأخوات غير الأشقاء - أي الذين هم من أُمّ واحدة وآباء متعددين - يرثون بمقدار حصّة أُمّهم من الإِرث والتي هي الثلث.
أمّا الأخوة والأخوات الأشقاء - أي الذين هم من أُمّ واحدة وأب واحد، أو من أب واحد وأُمهات متعددات - فهم يرثون بمقدار حصّة والدهم من الإِرث التي هي الثلثان.
ولمّا كانت الآية الثانية عشرة من سورة النساء تتحدث عن حصّة الثلث من الإرث للأخوة والأخوات، وتتناول الآية الأخيرة حصّة الثلثين، لذلك يتّضح أنّ الآية السابقة تخص الأخوة والأخوات غير الأشقاء الذين يرتبطون بشخص المتوفى عن طريق أُمهم، وأنّ الآية الأخيرة تخصّ الأخوة والأخوات الأشقاء الذين يرتبطون بشخص المتوفى عن طريق الأب أو عن طريق الأب والأُمّ معاً.
والروايات الواردة عن الأئمّة(عليهم السلام) في هذا المجال تؤكّد هذه الحقيقة أيضاً.
وعلى أي حال فإِن كانت حصّة الأخ أو الأخت هي الثلث أو الثلثان، فإِنّ الباقي من الإِرث يوزع بناء على القانون الإِسلامي بين الباقين من الورثة، وهكذا وبعد أن توضح لنا عدم وجود أي تناقض بين الآيتين، نتطرق الآن إِلى تفسير الأحكام الواردة في الآية الأخيرة.
وتجدر الإِشارة هنا إِلى أنّ الآية جاءت لتفصل إِرث الكلالة أي إِرث الأخوة والأخوات(2) فتقول الآية: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة...) أي يسألونك فخبرهم بأنّ الله هو الذي يعين حكم "الكلالة"(أي الأخوة والأخوات).
بعد ذلك تشير الآية إِلى عدد من الأحكام، وهي:
1 - إِذا مات رجل ولم يكن له ولد وكانت له أخت واحدة، فإِنّ هذه الأُخت ترث نصف ميراثه تقول الآية الكريمة: (إن امرؤُا هلك ليس له ولد وله أُخت فلها نصف ما ترك...).
2 - وإِذا ماتت امرأة ولم يكن لها ولد، وكان لها أخ واحد - شقيق من أبيها وحده أو من أبيها وأُمها معاً - فإِنّ أخاها الوحيد يرثها، تقول الآية: (وهو يرثها إِن لم يكن لها ولد...).
3 - وإِذا مات شخص وكانت له أختان فقط، فإِنّهما ترثان ثلثي ما تركه من الميراث، تقول الآية الكريمة: (فإِن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك...).
4 - وإِذا كان ورثة الشخص المتوفى عدداً من الأُخوة والأخوات أكثر من اثنين، فإِن ميراثه يقسم جميعه بينهم، بحيث تكون حصّة الأخ من الميراث ضعف حصّة الأُخت الواحده منه.
تقول الآية الكريمة: (يوإِن كانوا أخوة رجا ونساء فللذكر مثل حظ الأُنثيين...).
وفي الختام تؤكد الآية أنّ الله يبيّن للناس هذه الحقائق لكي يصونهم من الإِنحراف والضلالة، ويدلهم على طريق الصواب والسعادة (وحقيق أن يكون الطريق الذي يرسمه الله للناس ويهديهم إِليه هو الطريق الصحيح) والله هو العالم العارف بكل شيء، وفي هذا المجال تقول الآية الكريمة: (يبيّن الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم)(3).
والجدير بالذكر هنا أنّ الآية - موضوع البحث - إِنّما تبيّن إِرث الأخوة والأخوات في حالة عدم وجود ولد الشخص المتوفى، ولم تتطرق الآية إِلى وجود الأب والأم للشخص المتوفى، ولكن بناء على الآيات الواردة في بداية سورة النساء - فإِن الأب والأُمّ يأتون في مصاف الأبناء في الطبقة الأُولى من الوارثين، ولذلك يتوضح أن المقصود من الآية الأخيرة هي حالة عدم وجود أبناء وعدم وجود أبوين للشخص المتوفى.
﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾ أي في الكلالة وفسرت في أول السورة ﴿قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ ووالد للإجماع والسنة ودلالة الكلالة عليه إن فسرت بالميت ﴿وَلَهُ أُخْتٌ﴾ لأبوين أو لأب لسبق حكم الأخت للأم ﴿فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ بالفرض والباقي رد عليها لا للعصبة ﴿وَهُوَ يَرِثُهَآ﴾ أي الامرؤ يرث أخته كل المال إن انعكس الأمر ﴿إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ﴾ ذكر أو أنثى ولا والد لما مر ﴿فَإِن كَانَتَا﴾ أي من يرث بالأخوة والتثنية باعتبار المعنى ﴿اثْنَتَيْنِ﴾ فصاعدا خبر كان وفائدته بيان أن الحكم باعتبار العدد دون غيره من الصفات ﴿فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ الميت بالفرض والباقي بالرد ﴿وَإِن كَانُواْ﴾ الضمير كما مر ﴿إِخْوَةً﴾ تغليب للمذكر ﴿رِّجَالاً وَنِسَاء﴾ بدل أو صفة أو حال ﴿فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ﴾ أحكامه كراهة ﴿أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.