لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير إِنّ هذه الآية الكريمة جاءت تشير إِلى نقض بنيإِسرائيل للعهد الذي أخذه الله عليهم والذي ذكرته الآية السابقة. كما ذكرت هذه الآية نتائج وعواقب هذا النقض حيث تقول: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجلعنا قلوبهم قاسية)(1). والحقيقة هي أن هؤلاء عوقبوا بهذين الجزاءين بسبب نقضهم لميثاقهم، فقد حرموا من رحمة الله، وتحجرت أفكارهم وقلوبهم فلم تعد تبدي أي مرونة أمام الحقائق. وتشرح الآية آثار هذا التحجّر فتقول: (يحرفون الكلم عن مواضعه...)و(ونسوا حظاً مما ذكروا به...). ولا يستبعد أن تكون علامات وآثار نبيّ الإِسلام محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي أُشير إِليها في آيات قرآنية أُخرى، جزءاً من الأُمور التي نسيها بنوإِسرائيل - كما يحتمل أن تكون هذه الجملة القرآنية إِشارة إلى ما حرفه أو نسيه جمع من علماء اليهود أثناء تدوينهم للتوراة من جديد بعد أن فقدت التوراة الأصلية، وإِنّ ما وصل إِلى هؤلاء من كتاب موسى الحقيقي كان جزءاً من ذلك الكتاب وقد اختلط بالكثير من الخرافات، وقد نسي هؤلاء حتى هذا الجزء الباقي من كتاب موسى(عليه السلام). ثمّ تتطرق الآية إِلى ظاهرة خبيثة طالما برزت لدى اليهود - بصورة عامّة - إِلاّ ما ندر منهم، وهي الخيانة التي كانت تتكشف للمسلمين بين فترة وأُخرى، تقول الآية الكريمة في هذا المجال: (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إِلاّ قلي منهم...). وفي الختام تطلب الآية من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعفو عن هؤلاء ويصفح عنهم، مؤكّدة أنّ الله يحب المحسنين، وذلك في قوله تعالى: (فاعف عنهم واصفح إِنَّ الله يحب المحسنين). ولنرى هل أنّ المراد في الآية أن يعفو النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأخطاء السابقة للأقلية الصالحة من اليهود، أم أنّ المراد هو العفو عن الأغلبية الطالحة منهم؟ إِنّ ظاهر الآية يدعم ويؤيّد الإِحتمال الثّاني، لأنّ الأقلية الصالحة لم ترتكب ذنباً أو خيانة لكي يطلب من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العفو عنهم - والظن الغالب هو أنّ العفو والصفح المطلوبان في الآية يشملان - فقط - تلك الحالات التي كان اليهود يوجهون فيها أذاهم وتحرشاتهم واستفزازاتهم إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا يشملان أخطاء اليهود وجرائمهم بحق الأهداف والمبادىء الإِسلامية، حيث لا معنى للعفو في هذا المجال. الممارسات التّحريفية لليهود: إِنّ ما يستشف من مجموع الآيات الواردة في القرآن الكريم بخصوص الممارسات التحريفية لليهود، هو أنّهم كانوا يمارسون أنواع التحريف في الكتب السماوية الخاصّة بهم. وكان تحريفهم يتخذ أحياناً طابعاً معنوياً، أي أنّهم كانوا يفسّرون العبارات الواردة في تلك الكتب بشكل يناقض المعنى الحقيقي لها، فهم كانوا يحفظون الألفاظ كما هي لكنهم كانوا يغيرون معانيها وهو (التحريف المعنوى) ، وكانواـأيضاً - يقومون بتحريف الألفاظ في بعض الأحيان، فهم بدل أن يقولوا "سمعنا وأطعنا" كانوا يقولون "سمعنا وعصينا" كما كانوا أحياناً يخفون بعض الآيات الإِلهية، فما كان يطابق أهواءهم أظهروه، وأخفوا الآيات التي لم تكن لتتلاءم مع ميولهم ورغباتهم وهو "التحريف اللفظي"، وقد وصلت بهم الوقاحة إِلى حد أنّهم مع موجود الكتاب السماوي بين أيديهم كانوا يخادعون الناس بوضع أيديهم على الحقائق الواردة فيها، لكي لا يستطيع الناظر قراءتها. وستأتي تفاصيل هذا الموضوع لدى تفسير الآية (41) من نفس هذه السورة في قصّة "ابن صوريا". هل يجعل الله قلب الإِنسان قاسياً؟ نقرأ في الآية - موضوع البحث - إِنّ الله ينسب لنفسه فعل جعل القسوة في قلوب مجموعة من اليهود! والذي نعرفه هو أنّ هذه القسوة ما هي إلاّ نتيجة لإِرتكاب الذنوب والإِنحرافات، فكيف إِذن ينسب الله فعل جعل القسوة في قلوب اُولئك اليهود إِلى نفسه؟ ولو كان هذا الفعل من الله، فكيف يكون اُولئك الأشخاص مسؤولين عن أعمالهم، ألا يعتبر هذا نوعاً من الجبر؟ ولدى الإِمعان بدقة في الآيات القرآنية المختلفة، ومنها الآية موضوع البحث، يتبيّن لنا أنّ الأشخاص إِنما يحرمون - بسبب اخطائهم وذنوبهم - من لطف الله ورحمته وهدايته، وأن أعمالهم هذه في الحقيقة مصدر لمجموعة من الإِنحرافات الفكرية والأخلاقية، بحيث يستحيل على الإِنسان - أحياناً - أن يجنب نفسه عواقبها ونتائجها. وبما أنّ العلل - أو الأسباب - تعطي آثارها بإِذن الله، لذلك نسب مثل هذه الآثار في القرآن الكريم إِلى الله، ففي الآية موضوع البحث نقرأ أنّ اليهود - نتيجة لنقضهم الميثاق - (جعل الله قلوبهم قاسية)، كما نقرأ في الآية (27) من سورة إِبراهيم قوله تعالى (ويضل الله الظالمين) وفي الآية (77) من سورة التوبة نقرأ قوله سبحانه: (فاعقبهم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون). وواضح أنّ هذه الآثار السيئة تنبع من عمل الإِنسان نفسه، ولا تناقض في هذا الأمر حرية الإِرادة والإِختيار، لأنّ مقدمات تلك الآثار تكون من عمل الإِنسان وتصدر عنه بعلمه واختياره، ولأنّ آثار عمله هي النتيجة الحتمية للعمل نفسه، وعلى سبيل المثال لو أنّ إِنساناً تناول شيئاً من المشروبات الكحولية، وحصلت لديه حالة من السكر، فقام على أثر هذه الحالة بارتكاب جريمة معينة، فهو وإِن كان لا يمتلك إِرادته في حالة السكر، إِلاّ أنّه قبل ذلك أقدم على شرب الخمرة مختاراً ومدركاً لما يفعل، وبذلك هيّأ بنفسه مقدمات العمل الجنائي، وهو يعمل احتمال صدور هذا العمل منه في حالة السكر، ولذلك فهو مسؤول عن هذا العمل، فلو قيل في مثل هذه الحالة: إِنّ شخصاً قد شرب الخمرة فسلبنا منه عقله، فتورط نتيجة عمله في ارتكاب جريمة، فهل في هذا القول أي تناقض أو هل يستشف منه مفهوم الجبر؟ وخلاصة القول فإِنّ كل أنواع الهداية والضلال وأمثالها التي تنسب في القرآن الكريم إلى الله سبحانه، إِنّما تحصل بشكل حتمي كنتيجة للمقدمات والأعمال التي تصدر من الإِنسان نفسه، وعلى أثرها يستحق إمّا الهداية أو الضلال، وفي غير ذلك فإِنّ العدل والحكمة الإِلهيين، لا يسمحان مطلقاً أن يساق إِنسان إِلى طريق الهداية دون أي مبرر، أو أن يساق آخر إِلى طريق الضلال دون وجود سبب لذلك(2). ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم﴾ ما زائدة ﴿مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ﴾ أبعدناهم من رحمتنا أو مسخناهم أو عذبناهم بالجزية ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ منعناهم الألطاف حتى قست ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا﴾ تركوا نصيبا جزيلا ﴿مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ في التوراة من اتباع محمد إذ حرفوها أو زلت أشياء منها بشؤم تحريفهم عن حفظهم ﴿وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ﴾ خيانة أو فرقة خائنة أي الخيانة عادتهم كأسلافهم ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ﴾ لم يخونوا وهم الذين ءامنوا ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾ إن تابوا أو بذلوا الجزية وقيل مطلق، نسخ بآية السيف ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ إلى الناس.