التّفسير
أوّل حادثة قتل على الأرض:
لقد تناولت هذه الآيات الثلاث الأخيرة قصّة ولدي آدم(عليه السلام) وكيف قتل أحدهما أخاه الآخر، ولعل وجه الصلة بين هذه الآيات والآيات التي سبقتها في شأن بني إسرائيل، هو غريزة "الحسد" التي كانت دائماً أساساً للكثير من مخالفات وانتهاكات بني إِسرائيل حيث يحذرهم الله في هذه الآيات من مغبة وعاقبة الحسد الوخيمة القاتلة، التي تؤدي أحياناً إِلى أن يعمد أخ إِلى قتل أخيه! والآية تقول في هذا المجال لنبيّ الله أن يتلو على قومه قصّة ولدي آدم: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق...).
ولعل استخدام كلمة "بالحق" في هذه الآية جاء للإِشارة إِلى أن القصّة المذكورة قد أضيفت لها خرافات مختلفة، ولبيان أنّ القرآن الكريم جاء بالقصة الحقيقية التي حصلت بين ولدي آدم(عليه السلام).
ولا شك أنّ كلمة "آدم" الواردة في الآية، تشير إِلى أبي البشرية الحاضرة، وإِنّ ما ذهب إِليه البعض مع أنّها إشارة إِلى شخص من بني إِسرائيل اسمه "آدم" لا أساس له من الواقع، لأنّ هذه الكلمة استخدمت مراراً في القرآن للدلالة على اسم أبي البشرية، فلو صحّ الإفتراض الأخير لوجب أن تشتمل الآية - أو الآيات - التي بعدها على قرينة تصرف الإِسم عن مسماه الحقيقي الأوّل، ولا يمكن لآية (من أجل ذلك...) التي سيأتي تفسيرها قريباً، أن تكون قرينة على الإِفتراض المذكور كما سيأتي تفصيله.
وتواصل الآية سرد القصّة فتقول: (إِذ قربا قرّباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر...).
وقد أدت هذه الواقعة إِلى أن يهدد الأخ - الذي لم يتقبل الله القربان منه - أخاه بالقتل ويقسم أنّه قاتله لا محالة، كما جاء في قوله تعالى في الآية: (قال لأقتلنّك)أما الأخ الآخر فقد نصح أخاه مشيراً إِلى أن عدم قبول القربان منه إِنّما نتج عن علّة في عمله، وأنّه ليس لأخيه أي ذنب في رفض القربان، مؤكداً أنّ الله يقبل أعمال المتقين فقط حيث تقول الآية: (قال إِنّما يتقبل الله من المتقين).
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ﴾ قابيل وهابيل ﴿بِالْحَقِّ﴾ بالصدق ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ اسم لما يتقرب به إلى الله روي: أن آدم أمر أن يدفع الوصية إلى هابيل فغضب قابيل وكان أكبر فقال: قربا قربانا فمن أيكما يقبل دفعتها إليه ﴿فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا﴾ هابيل إذ قرب من خير غنمه ﴿وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ﴾ قابيل إذ قرب أردأ زرعه ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾ توعده بالقتل لفرط حسده له على تقبل قربانه ﴿قَالَ﴾ جوابا له ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ أي إنما أصبت من قبل نفسك بترك التقوى لا من قبلي فلم تقتلني.