لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول ورد في سبب نزول هاتين الآيتين الكريمتين، أنّ جماعة من المشركين قدموا إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعلنوا إِسلامهم لكنّهم - لعدم تعودهم على طقس ومناخ المدينة - أصيبوا ببعض الأمراض، فنصحهم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذهبوا إِلى منطقة ذات مناخ جيد من الصحراء خارج المدينة، كانت مرتعاً لإِبل الزكاة، وأجاز لهم الإِنتفاع بلبن تلك الإِبل بما يكفيهم، ففعلوا وتعافوا ممّا كانوا يعانون منه من الأمراض، لكنّهم بدل أن يقدموا الشكر على صنيع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معهم، وعمدوا إِلى قتل الرعاة المسلمين والتمثيل بهم وسمل عيونهم، ونهبوا إِبل الزكاة وإرتدوا عن الإِسلام إِلى الشرك، فأمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإِلقاء القبض عليهم والقصاص منهم بمثل ما إرتكبوه بحق اُولئك الرعاة الأبرياء، وجزاء لهم على جرائمهم فسملت عيونهم وقطعت أوصالهم وقتلوا، لكي يصبحوا عبرة لغيرهم فلا تسول لأحد نفسه أن يرتكب مثل هذه الجرائم الوحشية البشعة، وقد نزلت الآيتان الأخيرتان وهما تبيّنان حكم الإِسلام في هذه الجماعة(1). جزاء مرتكب العدوان: تكمل الآية الأُولى - من الآيتين الأخيرتين - البحث الذي تناولته الآيات السابقة حول قتل النفس، وتبيّن جزاء وعقاب من يشهر السلاح بوجه المسلمين، وينهب أموالهم عن طريق التهديد بالقتل أو بإرتكاب القتل، فتقول: (إِنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض). ومعنى قطع الأيدي والأرجل من خلاف هو أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى. ويجدر الإِنتباه هنا إِلى عدّة أُمور، وهي: 1 - إِنّ المراد جملة (الذين يحاربون الله ورسوله) الواردة في الآية - كما تشير إِليه أحاديث أهل البيت ويدل عليه سبب نزول الآية - هو إرتكاب العدوان ضد أرواح أو أموال الناس باستخدام السلاح والتهديد به، سواء كان هذا العدوان من قبل قطاع الطرق خارج المدن أو داخلها، وعلى هذا الأساس فإِن الآية تشمل أيضاً الأشرار الذين يعتدون على أرواح الناس وأموالهم ونواميسهم. والذي يلفت الإِنتباه في هذه الآية هو أنّها اعتبرت العدوان الممارس ضد البشر بمثابة إِعلان الحرب وممارسة العدوان ضد الله ورسوله، وهذه النقطة تبيّن بل تثبت مدى إهتمام الإِسلام العظيم بحقوق البشر ورعاية أمنهم وسلامتهم. 2 - المراد بقطع اليد أو الرجل - المذكور في الآية، وكما أشارت إِليه كتب الفقه - هو القطع بنفس المقدار الذي ينفذ بحق السارق لدى قطع يده، أي مجرّد قطع أربعة من أصابع اليد أو الرجل(2). 3 - هل أنّ العقوبات الأربع المذكورة في الآية لها طابع تخييري؟ أي هل أن الحكومة الإِسلامية مخيرة في استخدام أي منهما بحق الفرد الذي تراه يستحق ذلك، أم أن العقوبة يجب أن تتناسب ونوع الجريمة التي إرتكبها الفرد؟ أي إِذ إرتكب الفرد المحارب جريمة قتل ضد أفراد أبرياء تطبق بحقّه عقوبة الإِعدام، وإِن إرتكب سرقة عن طريق التهديد بالسلاح تنفذ فيه عقوبة قطع أصابع اليد أو الرجل، وإِذا إرتكب الجريمتين معاً يكون عقابه الإِعدام والصلب على الأعواد لفترة معينة لكي يعتبر به الناس، وإِذا شهر الفرد المحارب السلاح على الناس دون أن يراق أيّ دم أو تتم سرقة شيء يكون عقابه النفي إِلى بلد آخر؟ لا شك أنّ الإِحتمال الثّاني - وهو تطبيق العقوبة المتناسبة مع الجريمة أقرب إِلى الحقيقة، وقد أيد هذا المعنى ما ورد في أحاديث عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)أيضاً(3). وبالرغم من أنّ بعض الأحاديث أشارت إِلى أنّ الحكومة الإِسلامية مخيرة في إنتخاب أي من العقوبات الأربع الواردة، لكننا - نظراً للأحاديث التي أشرنا إِليها قبل قليل - نرى أنّ المراد من التخيير لا يعني أن تنتخب الحكومة الإِسلامية واحداً من العقوبات المذكورة إنتخاباً إعتباطياً دون أن تأخذ نوع الجريمة بنظر الإِعتبار، حيث من المستبعد كثيراً أن تكون عقوبتا الإِعدام والصلب متساويتين مع عقوبة النفي، أو أن تكونا بمنزلة واحدة! ويلاحظ هذا الأمر أيضاً في الكثير من القوانين الوضعية المعاصرة بصورة واضحة، حيث تعين عقوبات مختلفة لنوع واحد من الجرائم، وعلى سبيل المثال نرى أن بعض الجرائم تتراوح عقوبتها بين 3 سنين إِلى 10 سنين من السجن، والقاضي يتعامل في هذا المجال وفق ما يراه مناسباً لواقع الحال، وليس وفق ما يشتهيه هو، فتارة يكون المناسب في الجريمة أن تطبق العقوبة المشددة، وأُخرى يتناسب معها تخفيف العقوبة، نظراً للظروف المحيطة والملابسات الواردة في حالة إِرتكاب الجريمة. وهذا القانون الإِسلامي الذي جاء بحق المحاربين، يتفاوت فيه اُسلوب العقاب ونوعه مع اختلاف الجريمة التي يرتكبها الفرد المحارب أو الجماعة المحاربة. وغني عن القول أنّ العقوبات المشددة التي جاء بها الإِسلام لقطاع الطريق تتوضح فلسفتها في الأهمية القصوى التي أعارها هذا الدين للدماء البريئة، لكي يحول دون إعتداء الأفراد الأشقياء الأشرار القتلة على أرواح وأموال وأعراض الناس الأبرياء(4). وفي الختام تشير الآية إِلى أن هذه العقوبات هي لفضح المجرمين في الدنيا، وسوف لا يتوقف الأمر على هذه العقوبات، بل سينالون يوم القيامة عقاباً أشد وأقسى حيث تقول الآية: (ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم). ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا﴾ روي: أن المحارب من شهر السلاح وأخاف الطريق في المصر أو لخارجه ﴿أَن يُقَتَّلُواْ﴾ قصاصا أو حدا ﴿أَوْ يُصَلَّبُواْ﴾ مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ﴾ اليد اليمنى والرجل اليسرى إن أخذوا المال ولم يقتلوا ﴿أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ﴾ من بلد إلى بلد بحيث لا يمكنون من القرار في بلد إن أخافوا فقط، والآية لا تفيد التفصيل بل ظاهرها تخير الوالي بينها في كل محارب كما في بعض الروايات المعتبرة وفي بعضها التفصيل ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ ﴾ فضيحة ﴿فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ مع ذلك.