لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير حقيقة التوسل إِلى الله: توجه هذه الآية الخطاب إِلى الأفراد المؤمنين، تتضمن تكاليف ثلاثة يؤدي الإِلتزام بها وتطبيقها إِلى نيل الفلاح، وهذه التكاليف هي: 1 - إِتّباع الحيطة والتقوى، كما تقول الآية:(يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله...). 2 - إختيار وسيلة للتقرب إِلى الله سبحانه وتعالى، حيث تقول الآية: (وابتغوا إِليه الوسيلة...). 3 - الجهاد في سبيل الله، إِذ تقول الآية: (وجاهدوا في سبيله...). وستكون نتيجة الإِلتزام بهذه التكاليف الإِلهية وتطبيقها نيل الفلاح، بشرط تحقق الإِسلام والإِيمان فتقول الآية الكريمة في هذا المجال: (لعلكم تفلحون). إِنّ أهم موضوع سنتناوله بالبحث في هذه الآية، هو الدعوة الموجهة للإِنسان المؤمن لإِختيار طريقة تؤدي إِلى التقرب إِلى الله سبحانه وتعالى. فكلمة "الوسيلة" في الأصل بمعنى نشدان التقرب أو طلب الشيء الذي يؤدي إِلى التقرب للغير عن ميل ورغبة، وعلى هذا الأساس فإِن كلمة "الوسيلة" الواردة في هذه الآية لها معان كثيرة واسعة، فهي تشمل كل عمل أو شيء يؤدي إِلى التقرب إِلى الله سبحانه وتعالى، وأهم الوسائل في هذا المجال هي الإِيمان بالله وبنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) والجهاد في سبيل الله، والعبادات كالصّلاة والزكاة والصوم، والحج إِلى بيت الله الحرام وصلة الرحم والإِنفاق في سبيل الله سرّاً وعلانية وكذلك الأعمال الصالحة - كما يقول الإِمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)في خطبة له وردت في "نهج البلاغة" منها: "إِنّ أفضل ما توسل به المتوسلين إِلى الله سبحانه وتعالى الإِيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فإِنّه ذروة الإِسلام وكلمة الإِخلاص فإِنّها الفطرة، وإقامة الصّلاة فإِنّها الملّة(1)، وإِيتاء الزكاة فإِنّها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإِنه جنة من العقاب، وحج البيت واعتماره فإِنهما ينفيان الفقر، ويرحضان(2) الذنب، وصلة الرحم فإِنها مثراة(3) في المال ومنساة(4) في الأجل وصدقة السرّ فإِنّها تكفر الخطيئة، وصدقة العلانية فإِنّها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإِنّها تقي مصارع الهوان... "(5). كما أن شفاعة الأنبياء والأئمّة والأولياء الصالحين تقرّب - أيضاً - إِلى الله وفق ما نصر عليه القرآن الكريم، وهي داخلة في المفهوم الواسع لكلمة "الوسيلة" - وكذلك إتّباع النّبي والإِمام والسير على نهجهما، كل ذلك يوجب التقرب إِلى الساحة الإِلهية المقدسة. وحتى عندما نقسم على الله بمقام الأنبياء والأئمّة والصالحين فأنّه يدلّ على حبنّا لهم والاهتمام بالدين الذي دعوا إِليه، هذا القسم يعتبر - أيضاً - واحداً من المعاني الداخلة في المفهوم الواسع لكلمة شريعة الإِسلام. 2 - يرحضان يطهران أو يغسلان. 3 - مثراة مكثرة. 4 - منساة مطيلة. 5 - نهج البلاغة، الخطبة 110. والذين خصصوا هذه الآية وقيدوها ببعض هذه المفاهيم لا يمتلكون في الحقيقة أي دليل على هذا التخصيص، لأنّ كلمة "الوسيلة" تطلق في اللغة على كل شيء يؤدي إِلى التقرب. والجدير بالذكر هنا هو أنّ المراد من التوسل لا يعني - أبداً - طلب شيء من شخص النّبي أو الإِمام، بل معناه أن يبادر الإِنسان المؤمن - عن طريق الأعمال الصالحة والسير على نهج النّبي والإِمام - بطلب الشفاعة منهم إِلى الله، أو أن يقسم بجاههم وبدينهم (وهذا يعتبر نوعاً من الإِحترام لمنزلتهم وهو نوع من العبادة) ويطلب من الله بذلك حاجته، وليس في هذا المعنى أيّ أثر للشرك، كما لا يخالف الآيات القرآنية الأخرى، ولا يخرج عن عموم الآية الأخيرة موضوع البحث "فتدبّر". التوسل في القرآن: هناك آيات قرآنية أُخرى تدل بوضوح على أنّ التوسل بمقام إِنسان صالح عند الله، وطلب شيء من اللّه عن طريق التوسل بجاه هذا الإِنسان عند الله، لا يعتبر أمراً محظوراً ولا ينافي التوحيد. فنحن نقرأ في الآية (64) من سورة النساء قوله تعالى: (ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول لوجدوا الله تواباً رحيماً). كما نقرأ في الآية (97) من سورة يوسف، إِنّ أخوة يوسف طلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم الله، فقبل يعقوب هذا الطلب ونفذه. والآية (114) من سورة التوبة تشير إِلى موضوع استغفار إِبراهيم لأبيه، وهذا دليل على تأثير دعاء الأنبياء في حق الآخرين. وقد ورد هذا الموضوع في آيات قرآنية أُخرى أيضاً. التّوسل في الرّوايات الإِسلامية: إِنّ الروايات العديدة التي وردت عن طرق الشيعة والسنة تفيد بوضوح أنّ بالتوسل بالمعنى الذي عرضناه لا ريب ولا شبهة فيه، بل أنّه يعد عم جيداً أيضاً، وهذه الرّوايات كثيرة وقد نقلتها كتب عديدة، ونحن نورد بعضاً منها مما ورد في مصادر جمهور السنّة على سبيل المثال لا الحصر. 1 - جاء في كتاب "وفاء الوفا" لمؤلّفه العالم السنّي المشهور "السمهودي" إِن طلب العون والشفاعة من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو التوسل إِلى الله بجاه النّبي وشخصه جائز قبل أن يولد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد ولادته ووفاته وفي عالم البرزخ وفي يوم القيامة، ثمّ ينقل "السمهودي" في هذا المجال عن عمر بن الخطاب الرواية المعروفة التي تتحدث عن توسل آدم(عليه السلام) إِلى الله بنبي الإِسلام محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لعلم آدم بأنّ هذا النّبي سيأتي إِلى الوجود في المستقبل، ولعلمه بالمنزلة العظيمة التي يحظى بها عند الله، فيقول آدم: "ربّ إِنّي أسألك بحق محمّد لما غفرت لي"(6). ثمّ ينقل "السمهودي" حديثاً آخر عن جماعة من رواة الحديث كالنسائي والترمذي، وهما عالمان مشهوران من أهل السنّة، كدليل على جواز التوسل بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ي في حياته وخلاصة هذا الحديث إنّ رج بصيراً طلب من النّبي أن يدعو له بشفاء مريضه، فأمره النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلاوة هذا الدعاء: "اللّهم إِنّي أسألك وأتوجه إِليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة يا محمّد إِنّي توجهت بك إِلى ربّي في حاجتي لتقضي لي، اللّهم شفعه فيّ"(7). وبعد هذا الحديث ينقل "السمهودي" حديثاً ثالثاً في جواز التوسل بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته، فيذكر أن صاحب حاجة جاء في زمن عثمان إِلى قبر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فجلس بجوار القبر ودعا الله بهذا الدعاء: "اللّهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي الرحمة، يا محمّد إِنّي أتوجه بك إلى ربّك أن تقضي حاجتي". ثمّ يضيف "السمهودي" إِنّه لم تمض فترة حتى فضيت حاجة الرجل(8). 2 - أمّا صاحب كتاب "التوصل إِلى حقيقة التوسل" الذي يعارض بشدة موضوع التوسل فهو ينقل (26) حديثاً من كتب ومصادر مختلفة ينعكس منها جواز التوسل، ومع أنّه سعى في أن يطعن بإسناد تلك الأحاديث، إلاّ أنّ الواضح هو أنّه متى ما كانت الروايات كثيرة - في موضوع معين لدرجة التواتر - لا يبقى عند ذلك مجال للطعن، والتجريح في سند الحديث، والروايات التي وردت في المصادر الإِسلامية بشأن التوسل قد تجاوزت حدّ التواتر لكثرتها. ومن هذه الأحاديث التي رواها صاحب الكتاب المذكور، الحديث التالي: نقل "ابن حجر المكي" صاحب كتاب "الصواعق" عن الإِمام "الشافعي"، وهو أحد أئمّة السنّة الأربعة المشهورين، أنّه كان يتوسل إِلى أهل بيت النّبي ويقول: آل النّبي ذريعتي-----وهم إِليه وسيلتي أرجو بهم أعطى غداً-----بيد اليمين صحيفتي(9) وينقل صاحب كتاب "التوصل... " أيضاً عن (البيهقي) أن الجفاف أصاب المسلمين في أحد الأعوام من عهد الخليفة الثّاني، فذهب بلال ومعه عدد من الصحابة إِلى قبر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: "يا رسول الله استسق لأُمتك... فإِنّهم قدهلكوا... "(10). ونقل أيضاً عن "ابن حجر" من كتاب "الخيارات الحسان" أنّ الإِمام الشافعي كان أثناء وجوده في بغداد يزور أبا حنيفة ويتوسل إِليه في حوائجه(11). ومن صحيح "الدارمي" ينقل صاحب كتاب "التوصل... " أيضاً، أن بعض الصحابة في المدينة اشتكوا إِلى عائشة ما يعانونه من الجفاف الشديد الذي أصاب البلدة في أحد الأعوام، فأشارت عليهم أن يفتحوا فجوة في سقف المسجد على قبر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ينزل الله المطر ببركة قبر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعلوا ذلك ونزل مطر غزير! ونقل "الآلوسي" في تفسيره الكثير من الأحاديث والروايات الشبيهة بالأحاديث المارة الذكر، ولكنّه بعد إِجراء تحليل ونقاش طويل حولها حتى أنّه تشدد في نقدها اضطر إِلى الإِذعان بها، فذكر أنّه بعد البحث الذي أجراه لا يرى مانعاً من التوسل إِلى الله بمقام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سواء في حياته أو بعد وفاته، ثمّ أطال البحث في هذا المجال، وقال بأنّ التوسل إِلى الله بمقام غير النّبي لا مانع فيه - أيضاً - شريطة أن يكون المتوسل به صاحب منزلة عند الله(12). أما مصادر الشيعة فقد تناولت هذا الموضوع بشكل واضح، لا نرى معه أي حاجة إِلى نقل الأحاديث الواردة بهذا الصدد. ملاحظات ضرورية: نرى من الضروري - هنا - الإِشارة إِلى عدّة اُمور: 1 - لقد أسلفنا القول بأنّ التوسل ليس معناه طلب الحاجة من النّبي أو الإِمام، بل المراد منه جعل النّبي أو الإِمام شفيعاً إِلى الله في قضاء الحاجة، وهذا الأمرـفي الحقيقة - توجه إلى الله، لأن احترام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إِنّما هو من أجل أنّه رسولالله والسائر على هداه، والعجب هنا أن يدعي البعض أن هذا التوسل نوع من الشرك، في حين أنّ المعروف عن الشرك هو القول بوجود من يشارك الله سبحانه في صفاته وأعماله، والتوسل الذي تحدثنا عنه لا صلة له مطلقاً ولا تشابه مع الشرك. 2 - يصرّ البعض وجود الفرق بين حياة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام)وبين وفاتهم، وكما رأيت فإِنّ الكثير من الأحاديث السالفة كان يخص ما بعد وفاة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بالإِضافة إِلى ذلك فإِن الفرد المسلم يعتقد بأن للنّبي والصالحين بعد وفاتهم حياة برزخية أوسع من الحياة الدنيا، وقد صرّح القرآن في هذا المجال بخصوص حياة الشهداء، حيث أكّد أنّهم ليسوا أمواتاً بل أحياء عند ربّهم(13)... 3 - وأصرّ آخرون على أنّ هناك فرقاً بين طلب الدعاء من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين القسم على الله بجاه النّبي، فهؤلاء يجيزون طلب الدعاء ولا يجيزون ما سواه، في حين لا يوجد بين هذين الأمرين أي فرق منطقي. 4 - يسعى البعض من كتاب وعلماء السنة وبالأخص "الوهابيون" منهم، وبعناد خاص، إِلى الإِدعاء بضعف جميع الأحاديث الواردة في موضوع التوسل، أو تجاهلها بشتى الحجج الواهية. وهؤلاء يبحثون هذا الموضوع باُسلوب خاص يظهر من خلاله لكل ناظر محايد أنّهم اختاروا في البداية هذا الإِعتقاد لأنفسهم، ثمّ يحاولون - بعد ذلك - فرضه على الرّوايات الإِسلامية ويعمدون بشكل من الأشكال إِلى إِزاحة كل من يخالف معتقدهم هذا عن طريقهم، وهذا الأُسلوب المشوب بالعصبية ومجافاة المنطق لا يقبل به أي باحث منصف مطلقاً. 5 - لقد بيّنا أنّ أحاديث التوسل قد وصلت بكثرتها إِلى حد التواتر، أي أنّها لوفرتها تغني الباحث عن التحقيق في أسانيدها، إِضافة إِلى ذلك فإِنّ من بين هذه الأحاديث الكثير من الروايات والأحاديث الصحيحة، فلا يبقى بذلك لمن يريد الإِعتراض على بعض الأسانيد أي مجال. 6 - ويتبيّن ممّا قلناه سابقاً أن لا تناقض بين الروايات التي وردت في تفسير الآية الأخيرة تلك التي تقول بأن النّبي دعا الناس إِلى أن يطلبوا له الوسيلة من الله، أو ما جاء عن الإِمام علي(عليه السلام) في كتاب "الكافي" من أنّه قال: بأنّ (الوسيلة) هي أرفع وأسمى منزلة في الجنّة فلاينافي ما ذكرناه نحن في تفسير الآية، لأنّ الوسيلةـ كما أوضحنا - تشمل كل أنواع التقرب إِلى الله، وإِن تقرب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إِلى الله، وكذلك ما قيل عن أرفع منزلة في الجنّة، هما من مصاديق الوسيلة. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾ ما تتوسلون به إلى ثوابه من الطاعة ﴿وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ﴾ أعداءه لإعزاز دينه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تظفرون بنعيم الأبد.