التّفسير
عقوبة السّرقة:
لقد بيّنت آيات سابقة عقاب وحكم "المحارب" الذي يتعرض لأرواح وأموال ونواميس الناس عن طريق التهديد بالسلاح، أمّا الآيات الثلاث الأخيرة فهي تبيّن حكم السارق والسارقة أي الفرد الذي يسرق خلسة أموال وممتلكات يالناس، فتقول الآية أوّ: (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما...).
وقد قدمت هذه الآية الرجل السارق على المرأة السارقة، بينما الآية التي ذكرت حد وعقوبة الزنا قد قدمت المرأة الزانية على الرجل الزاني، ولعل هذا التفاوت ناشىء عن حقيقة أن السرقة غالباً ما تصدر عن الرجال، بينما النساء الخليعات المستهترات يشكلن في الغالب العامل والعنصر المحفز للزنا!
بعد ذلك تبيّن الآية أنّ العقوبة المذكورة هي جزاء من الله لجريمة السرقة المرتكبة من قبل الرجل أو المرأة، حيث تقول: (يجزاءً بما كسبا نكا من الله...).
والحقيقة هي أنّ هذه الجملة القرآنية تشير.
أوّلا: إِلى أنّ العقوبة المذكورة نتيجة لعمل الشخص السارق أو السارقة وأنّها شيء اكتسبه هو أو هي لفنسها.
وثانياً: إِلى أنّ الهدف من تنفيذ هذه العقوبة هو وقاية المجتمع وتحقيق الحق والعدل فيه لأنّ كلمة "نكال" تعني العقوبة التي تنفذ لتحقيق الوقاية وترك المعصية، وهذه الكلمة تعني في الأصل "اللجام" وتطلق أيضاً على كل عمل يحول دون حصول الإِنحراف.
ولكي لا يتوهم الناس وجود الإِجحاف في هذه العقوبة، تؤكّد الآية - في آخرها - على أن الله عزيز، أي قادر على كل شيء، فلا حاجة له للإِنتقام من الأفراد، وهو حكيم - أيضاً - ولا يمكن أن يعاقب الأفراد دون وجود مبرر أو حساب لذلك، حيث تقول الآية: (والله عزيز حكيم).
﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ﴾ دخلت الفاء لشبهه بالجزاء لأن أل موصولة ﴿أَيْدِيَهُمَا﴾ من أصول الأصابع وبترك الإبهام عندنا فإن عاد قطعت رجله اليسرى من أصل الساق ويترك العقب فإن عاد خلد في السجن ﴿جَزَاء بِمَا كَسَبَا﴾ مفعول له أو مصدر، وكذا ﴿نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.