لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ تشير الآية إِلى قسم من تصرفات هؤلاء المشوبة بالنفاق والرياء، وفتؤكّد أنّهم إِنّما يستمعون كلام النّبي لا لأجل اطاعته، بل لكي يجعلوا من ذلك وسيلة لتكذيب النّبي والإِفتراء عليه حيث تقول الآية: (سماعون للكذب). ولهذه الجملة القرآنية تفسير آخر، هو أنّ هؤلاء اليهود يستمعون كثيراً إِلى أكاذيب قادتهم وزعمائهم، لكنّهم لا يبدون استعداداً لإِستماع قول الحقوالإِذعان له (3). ثمّ تفضح الآية الصفة الثالثة لليهود، فتبيّن أنّهم يتجسّسون على المسلمين لمصلحة قوم آخرين ممّن لا يحضرون الإِجتماعات الإِسلامية التي تعقد في مجلس النّبي (ص) فتقول الآية: (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك....). وفي تفسير آخر لهذه الجملة قيل أن هؤلاء اليهود كانوا يستمعون إِلى أوامر جماعتهم - فقط - وقد كلّفهم قومهم بأن يقبلوا ما وافق أهواءهم من أقوال النّبي (ص)، وأن يخالفوا أو يرفضوا ما كان عكس ذلك من أقواله (ص)، وبناء على هذا السلوك فإنّ ما كان يظهر من طاعة هؤلاء لبعض أقوال النّبي (ص) لم يكن في الحقيقة إِلاّ طاعة منهم لأقوال كبارهم ووجهائهم الذين أمروهم باتباع هذا الأسلوب، ولذلك أشارت الآية على النّبي (ص) أن لا يحزن لمخالفات هؤلاء، فهم لم يحضروا عنده أبداً من أجل الإِستماع إِلى الحقّ واتّباعه! ثمّ تذكر الآية انحرافاً آخر لهؤلاء اليهود، فتشير إِلى تحريفهم لكلام الله سبحانه وتعالى من خلال تحريف الألفاظ أو تحريف المعاني الواردة في هذا الكلام، فهم إِن وجدوا في كلام الله حكماً يخالف مصالحهم أوّلوه أو رفضوه جملة وتفصيلا، كما تقول الآية: (يحرفون الكلم من بعد مواضعه...) (4). والأعجب من ذلك أنّ هؤلاء قبل أن يحضروا مجلس النّبي كانوا يقررون كما يأمرهم كبارهم أنّهم إِن تلقوا من محمّد (ص) حكماً موافقاً لميولهم وأهوائهم قبلوا به، وإِن كان مخالفاً لهوى أنفسهم ردوه وابتعدوا عنه، تقول الآية الكريمة: (يقولون إِن أُوتيتم هذا فخذوه وإِن لم تؤتوه فاحذروا...). فهؤلاء قد غرقوا في الضلال وتحجرت عقولهم لغاية أنّهم كانوا يرفضون كل شيء يخالف ما عندهم من أحكام محرفة، دون أن يبذلوا جهداً أو عناء في التفكير لمعرفة الحقيقة، وقد أبعدتهم هذه الحالة عن طريق الرشاد وأخرجتهم من جادة الصواب، بحيث لم يبق أمل في هدايتهم، فاستحقوا بذلك عذاب الله، ولم تعد تنفع فيهم شفاعة الشافعين، وفي هذا المجال تقول الآية الكريمة: (ومن يرد الله فتنته فلن يملك له من الله شيئاً) وقد تدنست قلوب هؤلاء إِلى درجة لم تعد قابلة للتطهير، وحرمهم الله لذلك طهارة القلوب، فتقول الآية: (أُولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم...) وعمل الله مقرون بالحكمة دائماً، لأن من يقضي عمراً في الإِنحراف ويمارس النفاق والكذب ويخالف الحق ويرفض الحقيقة، ويحرف قوانين الله لن يبقى له مجال للتوبة والعودة إِلى الحق، حيث تقول الآية الكريمة في هذا المجال: (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم). أمّا الآية الثّانية فتؤكّد - مرّة أُخرى - على أن هؤلاء لديهم آذان صاغية لإِستماع حديث النّبي (ص) لا لإِطاعته بل لتكذيبه، أو كما يقول تفسير آخر فإِنّ هؤلاء آذانهم صاغية لإِستماع أكاذيب كبارهم، فتقول الآية: (سماعون للكذب...) وقد تكررت هذه الجملة في آيتين متتاليتين تأكيداً واثباتاً لوجود هذه الصفة الشنيعة في هؤلاء. كما أضافت الآية صفة شنيعة أُخرى اتصف بها اليهود، وهي تعودهم وادمانهم على أكل الأموال المحرمة والباطلة من الرّبا والرّشوة وغير ذلك، حيث تقول الآية: (أكالون للسحت...) (5). ثمّ تخير الآية النّبي بين أن يحكم بينهم أو أن يتجنبهم ويتركهم، حيث تقول الآية: (فإِن جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم...) ولا يعني التخيير أن يستخدم النّبي (ص) ميله ورغبته في اختيار أحد الأمرين المذكورين، بل إن المراد من ذلك هو أن يراعي النّبي الظروف والملابسات المحيطة بكل حالة، فإن رأى الوضع يقتضي الحكم بينهم حكم، وإِن رأى خلاف ذلك تركهم وأعرض عنهم. ولكي تعزز الآية الإِطمئنان في نفس النّبي (ص)، إِن هو ارتأى الإِعراض عن هؤلاء لمصلحة أكّدت قائلة: (وإِن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً...). كما أكّدت ضرورة اتباع العدل وتطبيقه إِذا كانت الحالة تقتضي أن يحكم النّبي بين هؤلاء فقالت الآية: (وإِن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إِنّ الله يحب المقسطين). وقد اختلف المفسّرون في قضية تخيير النظام الإِسلامي بين الحكم في غير المسلمين بأحكام الإِسلام أو الإِعراض عنهم، وهل أن هذا التخيير باق على قوته أو أنّه أصبح منسوخاً؟ ويرى البعض أنّ الناس في ظل الحكم الإِسلامي مشمولون من الناحيتين الحقوقية والجزائية بالقوانين الإِسلامية، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين. وبناء على هذا الرأي فإن حكم التأخير إمّا أن يكون منسوخاً وإمّا أنّه يخص غير الكفار الذميين، أي يخض أُولئك الكفار الذين لا يعيشون في ظل حكم اسلامي، بل يرتبطون بالمسلمين باتفاقيات أو مواثيق، أو يكون بينهم علاقات ود وتزاور. ويعتقد مفسّرون آخريون أنّ الحاكم المسلم يكون مخيراً - حتى في الوقت الحاضر لدى التعامل مع غير المسلمين، فهو إمّا أن يطبق فيهم الأحكام الإِسلامية إِذا اقتضت الضرورة والمصلحة ذلك، وإمّا أن يعرض عنهم ويحيلهم إِلى قوانينهم الخاصّة بهم، بحسب ظروف وملابسات كل حالة "للإِطلاع أكثر على تفاصيل هذا الحكم تراجع كتب الفقه" الآية 43 ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التُّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَآ أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنينَ43﴾ التّفسير تتابع هذه الآية موضوع الحكم بين اليهود تطرقت إِليه الآيتان السابقتان، اللتان بيّنتا أنّ اليهود كانوا يأتون إِلى النّبي (ص) ويطلبون منه الحكم فيهم، وقد أظهرت هذه الآية الأخيرة الإِستغراب من حالة اليهود الذين كانوا مع وجود التّوراة بينهم، واحتوائها على حكم الله، يأتون إِلى النّبي محمّد (ص) ويطلبون منه الحكم فيهم بالرغم من وجود التّوراة عندهم، فتقول: (وكيف يحكمونك وعندهم التّوراة فيها حكم الله...). ويجب الإِنتباه إِلى أنّ المقصود من الحكم في الآية هو حكم الرجم للزاني المحصن من الرجال والنساء والذي ورد في التّوراة أيضاً، في سفر التثنية الفصل الثّاني والعشرين. والعجيب في أمر هؤلاء اليهود أنّهم مع وجود التّوراة بينهم وعدم اعترافهم بنسخها من قبل القرآن ورفضهم للشريعة الإِسلامية، كانوا حين يرون حكماً في التّوراة لا يوافق ميولهم وأهوائهم يتركون ذلك الحكم ويبحثون عن حكم آخر في مصادر لم يقرّوا ولم يعترفوا بها. والأعجب من ذلك أنّهم حين كانوا يطلبون التحكيم من نبي الإِسلام بينهم، كانوا لا يقبلون بحكمه إِذا كان مطابقاً لحكم التّوراة لكنه لم يوافق ميولهم ورغباتهم حيث تقول الآية: (ثمّ يتولّون من بعد ذلك) وما ذلك إِلاّ لأن هؤلاء لم يكونوا بمؤمنين في الحقيقة، ولو كانوا مؤمنين لما استهزؤوا هكذا بأحكام الله، حيث تؤكّد الآية قائلة: (وما أُولئك بالمؤمنين). وقد يرد اعتراض في هذا المجال وهو: إِن الآية الشريفة تقرّ بوجود حكم الله في التّوراة ونحن نعلم عن طريق القرآن والرّوايات الإِسلامية، بأن التّوراة قد أصابها التحريف قبل ظهور نبي الإِسلام محمّد (ص) ؟ إِنّ جوابنا على هذا الإِعتراض هو أننا أوّلا: لا نقول بأن التحريف قد أصاب التّوراة كلّها، بل نقر بوجود أحكام في التّوراة تطابق الحقيقة والواقع، وحكم الرجم - الذي هو موضوع بحثنا الآن - من الأحكام التي لم تصبها يد التحريف في التّوراة. ثانياً: إِنّ التّوراة مهما كان حالها لا يعتبرها اليهود كتاباً محرفاً، ولذلك فإن الغرابة هنا تكمن في رفض اليهود العمل بحكم الله مع وجوده في توراتهم. ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ كرر تأكيدا ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ الحرام كالرشاء ﴿فَإِن جَآؤُوكَ﴾ متحاكمين إليك ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ خير (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين الحكم والإعراض وكذا الأئمة والحكام وقيل نسخ بآية وأن احكم بينهم ﴿وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا﴾ لن يقدروا لك على ضرر ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ فيثيبهم.