لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير بعد الإِنتهاء من موضوع المنافقين، يأتي الكلام - في هذه الآية الكريمة - عن المرتدين الذين تنبّأ القرآن بارتدادهم عن الدين الإِسلامي الحنيف، وهذه الآية أتت بقانون عام يحمل انذاراً لجميع المسلمين، فأكّدت أنّ من يرتد عن دينه فهو لن يضر الله بارتداده هذا أبداً، ولن يضر الدين ولا المجتمع الإِسلامي أو تقدمه السريع، لأنّ الله كفيل بإِرسال من لديهم الإِستعداد في حماية هذا الدين، حيث تقول الآية الكريمة: (يا أيّها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم...). ثمّ تتطرق الآية إِلى صفات هؤلاء الحماة الذين يتحملون مسؤولية الدفاع العظيمة، وتبيّنها على الوجه التّالي: 1 - إِنّهم يحبّون الله ولا يفكرون بغير رضاه، فالله يحبّهم وهم يحبّونه، كما تقول الآية: (يحبّهم ويحبّونه). 2 و3 - يبدون التواضع والخضوع والرأفة أمام المؤمنين، بينما هم أشداء أقوياء أمام الأعداء الظالمين - حيث تقول الآية: (أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين...). 4 - إِنّ شغلهم الشاغل هو الجهاد في سبيل الله، إِذ تقول الآية: (يجاهدون في سبيل الله). 5 - وآخر صفة تذكرها الآية لهؤلاء العظام، هي أنّهم لا يخافون لومَ اللائمين في طريقهم لتنفيذ أوامر الله والدفاع عن الحق، حيث تقول الآية: (ولا يخافون لومة لائم...) فهؤلاء بالإِضافة إِلى امتلاكهم القدرة الجسمانية، يمتلكون الجرأة والشّجاعة لمواجهة التقاليد الخاطئة، والوقوف بوجه الأغلبية المنحرفة التي اعتمدت على كثرتها في الإِستهزاء بالمؤمنين. وهناك الكثير من الأفراد المعروفين بصفاتهم الطيبة، لكنّهم يبدون الكثير من التحفظ أمام الفوضى السائدة في المجتمع وهجوم الأفكار الخاطئة لدى سواد الناس أو من الأغلبية المنحرفة، ويتملكهم الخوف والجبن، وسرعان ما يتركون الساحة ويخلونها للمنحرفين، في حين أنّ القائد المصلح ومن معه من الأفراد بحاجة إِلى الجرأة والشهامة لتطبيق أفكارهم واصلاحاتهم. وعلى عكس هؤلاء فالذين لا يمتلكون هذه الصفات الروحية الرفيعة، يقفون سدّاً وحائلا دون حصول الإِصلاحات المطلوبة. وتؤكّد الآية في الختام - على أنّ إكتساب أو نيل مثل هذه الإِمتيازات السامية (بالإِضافة إِلى الحاجة لسعي الإِنسان نفسه) مرهون بفضل الله الذي يهبها لمن يشاء، ولمن يراه كفؤاً لها من عباده، حيث تقول الآية في هذا المجال: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء...). وفي النهاية تبيّن الآية أنّ مجال فضل الله وكرمه واسع، وهو يعرف الأفكاء والمؤهلين من عباده، وكما تقول الآية: (والله واسع عليم). لقد نقلت الرّوايات الإِسلامية التي أوردها المفسّرون أقوالا كثيرة حول هوية الأشخاص المعنيين بهذه الآية، فمن هم أنصار الإِسلام هؤلاء الذين مدحهم الله بهذه الصفات؟ في الكثير من الرّوايات الواردة عن طرق الشيعة والسنة نقرأ أن هذه الآية نزلت في حقّ (علي بن أبي طالب (ع) ) وقتاله للناكثين والقاسطين والمارقين (مثيري حرب الجمل، وجيش معاوية، والخوارج)، وممّا يدل على ذلك قول النّبي (ص) حين رأى عجز قادة جيش الإِسلام عن فتح حصن خيبر، حيث وجه (ص) لهم الخطاب في إِحدى الليالي وفي مقر جيش الإِسلام قائلا: "لأُعطين الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يده" (1). ونقرأ في رواية أُخرى أنّ النّبي (ص) سئل عن هذه الآية فوضع (ص) يده الشريفة على كتف "سلمان" وقال ما مضمونه: "هذا وأنصاره وبني قومه..." وبذلك تنبّأ النّبي عن اسلام الإِيرانيين وجهودهم ومساعيهم المثمرة في خدمة هذا الدين في المجالات المختلفة، ثمّ قال (ص) : "لو كان الدين (وفي رواية أُخرى - لو كان العلم ـ) معلقاً بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس" (2). وذكرت روايات أُخرى أن هذه الآية نزلت في شأن أنصار المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف الذين سيواجهون الإِرتداد والمرتدين بكل قوّة وحزم، ويملؤون العالم قسطاً وعدلا وإيماناً. وممّا لا شك فيه أنّه لا تناقض بين هذه الرّوايات الواردة في تفسير الآية الأخيرة، لأنّ الآية - جرياً على أسلوب القرآن الكريم - تبيّن مفهوماً كلياً عاماً، بحيث تعتبر "علي بن أبي طالب (ع) " أو "سلمان الفارسي" مصداقين مهمين ضمن هذا المفهوم الذي يشمل أفراداً آخرين يسيرون على نفس النهج، حتى لو لم تتطرق الرّوايات إِلى أسمائهم. إِنّ الأمر الذي يثير الأسف في هذا المجال، هو تدخل العصبيات الطائفية والقومية في تفسير هذه الآية، والتي أدخلت أفراداً لا يمتلكون أي كفاءة ولا يتمتعون بأي من الصفات المذكورة ضمن مصاديق هذه الآية واعتبرتهم ممّن نزلت الآية في شأنهم، ومن هؤلاء الأفراد "أبو موسى الأشعري" الذي ارتكب تلك الحماقة التّأريخية المعروفة التي دفعت بالإِسلام نحو هاوية السقوط، ووضعت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في أحرج موقف (3). والغريب في هذا الأمر هو انتقال آثار التطرف الذي نلاحظه في الكتب العلمية - بشكل رهيب - إِلى سواد الناس، بل إِلى متعلميهم، وكأن هناك يداً خفية تسعى ال تشتيت صفوف المسلمين، وتحول دون اتحاد كلمتهم، وقد سرى هذا التطرف ليشمل تاريخ ما قبل الإِسلام، بحيث نرى هؤلاء المتطرفين وقد سمّوا شارعاً فخماً يقع بجوار بيت الله الحرام باسم "أبي سفيان" وهذا الشارع هو أكبر وأفخم بكثير من شارع "إِبراهيم الخليل (ع) " مؤسس الكعبة الشريفة. وأخذ أمثال هؤلاء المتطرفين يصمون كثيراً من المسلمين وبكل بساطة بالشرك، لا لشيء إِلاّ لأنّ تحرك هؤلاء المسلمين لا يتفق مع أهوائهم وطريقتهم الخاصة، وكأن الإِسلام ينحصر في هذه الطريقة، أو كأنّهم - وحدهم - سدنة القرآن وحفظته دون غيرهم، أو كأنّهم هم المكلفون - دون غيرهم - ببيان من هو المسلم ومن هو الكافر، فيشيرون بكلمة واحدة إِلى هذا بأنّه مشرك وإِلى ذاك بأنّه مسلم، وفق ما تشتهيه أهواؤهم ورغباتهم. في حين أنّنا نقرأ في الرّوايات الواردة في تفسير الآيات الأخيرة، أنّ الإِسلام حين يصبح غريباً بين أهله يبرز أشخاص كسلمان الفارسي لإِعادة مجد الإِسلام وعظمته، وهذه بشارة وردت على لسان النّبي (ص) لقوم سلمان. والمثير للدهشة والحيرة أن كلمة التوحيد التي هي رمز لوحدة المسلمين، أصبحت اليوم تستخدم من قبل جهات معلومة للتفريق بين المسلمين واتهامهم بالشرك والوثنية، وقد خاطب أحد العلماء هؤلاء المتطرفين بقوله: إنّكم قد وصلت بكم الحالة إِلى درجة أن إِسرائيل إِذا تسلطت على جماعة منكم فرحت جماعة أُخرى بهذا التسلط، وإِذا ضربت إِسرائيل الجماعة الأُخرى فرحت الجماعة الاُولى بهذا العمل، أو ليس هذا هو ما يبتغيه ويهدف إِليه أعداء الإِسلام؟ ومن الإِنصاف القول بأن اللقاءات المتكررة التي حصلت بيننا وبين عدد من علماء هؤلاء المتعصبين المتطرفين، كشفت القناع عن أنّ الواعين منهم كثيراً ما لا يرضون بهذا الوضع، وقد التقيت بأحد علماء اليمن في المسجد الحرام فقال أمام جمع من كبار مدرسي الحرم المكي: إنّ إتهام أهل القبلة بالشرك يعتبر ذنباً كبيراً، استقبحه السلف الصالح كثيراً، وقد صدر هذا القول منه حين كان الحديث يدور حول مسألة حدود الشرك، وقد أعرب هذا العالم عن استيائه لما يقوم به بعض الجهلاء من اتهام الناس بالشرك مشيراً إِلى أن هؤلاء يتحملون بعملهم هذا مسؤولية عظيمة. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ﴾ فلن يضر الله ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ﴾ ويوفقهم لرضاه أو بحسن ثوابهم ﴿وَيُحِبُّونَهُ﴾ يطيعونه ولا يعصونه ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ عاطفين عليهم بتواضع ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أشداء عليهم من عزة إذا غلبه ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾ بتقلبهم في دينهم ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من الأوصاف ﴿فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ وهؤلاء الموصوفون قيل هم أهل اليمن وقيل هم الفرس وقيل الأنصار والأصح ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنها في علي وأصحابه وقتالهم للناكثين والمارقين والقاسطين. وروي أنها في المهدي وأصحابه.