التّفسير
في آيات سابقة من سورة البقرة، وفي أوائل هذه السورة أيضاً إِشارة إِلى عهد وميثاق أخذه الله تعالى على بني إِسرائيل وفي هذه الآية تذكير بهذا الميثاق: (لقد أخذنا ميثاق بني إِسرائيل وأرسلنا إِليهم رسلا).
يبدو أنّ هذا الميثاق هو الذي جاءت الإِشارة إِليه في الآية (93) من سورة البقرة، أي العمل بما أنزل الله!
ثمّ يضاف إِلى ذلك القول بأنّهم، فضلا عن كونهم لم يعملوا بذاك الميثاق، (كلّما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون).
هذه هي طرائق المنحرفين الأنانيين وسبلهم، فهم بدلا من إِتباع قادتهم، يصرون على أن يكون القادة هم التابعين ولاهوائهم، وإِلاّ فليس لهؤلاء الهداة والأنبياء حتى حق الحياة.
في هذه الآية جاء الفعل "كذبوا" بصيغة الماضي بينما جاء الفعل "يقتلون" بصيغة المضارع، ولعل السبب - بالإِضافة إِلى المحافظة على التناسب اللفظي في أواخر الآيات السابقة والتّالية وكلها بصيغة المضارع - هو كون الفعل المضارع يدل على الإِستمرار، والقصد من ذلك الإِشارة إِلى إِستمرار هذه الروح فيهم، وأن تكذيب الأنبياء وقتلهم لم يكن حدثاً عارضاً في حياتهم، بل كان طريقاً وإِتجاهاً لهم (1).
﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ على الإيمان بالله وبرسله وبما جاءت به ﴿وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً﴾ لإرشادهم ﴿كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ﴾ من التكاليف ﴿فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ جواب الشرط محذوف أي استكبروا كما قال: كلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وجملة ﴿فَرِيقًا كَذَّبُواْ﴾ استيناف كأنه قيل فما يفعلون بالرسل فأجابهم بذلك وإنما جيء بيقتلون موضع قتلوا على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل واستحضارا لتلك الحال الشنيعة.