الآية الثّالثة تشير إِلى معصية أُخرى من معاصيهم: (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا).
من البديهي أنّ صداقتهم لأولئك لم تكن صداقة عادية، بل كانت ممتزجة بأنواع المعاصي، وكانوا يشجعون الأعمال والأفكار الخاطئة، لذلك أدانت الآية في عباراتها الأخيرة الأعمال التي قدموها ليوم المعاد، تلك الأعمال التي استوجبت غضب الله وعذابه الدائم: (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون).
أمّا من هم المقصودون بتعبير (الذين كفروا) فإنّ بعضاً يقول: إِنّهم كانوا مشركي مكّة الذين صادقوا اليهود.
ويرى بعض أنّهم الجبارون والظالمون الذين كان اليهود قديماً يمدون إِليهم يد الصداقة، وهذا الرأي يؤكّده الحديث المنقول عن الإِمام الباقر (ع) إِذ قال: "يتولون الملوك الجبارين ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم" (3).
وليس ثمّة ما يمنع أن تشمل الآية كلا المعنيين، بل وتكون أعم منهما أيضاً.
﴿تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يوالون المشركين بغضا لك ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ من الزاد لمعادهم ﴿أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾.