لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
على الرّغم من أنّ الجملة الأخيرة في الآية تدل على تحريم الصيد أثناء الإِحرام، ولكن الآية التّالية لها تصدر حكماً قاطعاً وصريحاً وعاماً بشأن تحريم الصيد أثناء الإِحرام، إِذ تقول: (يا أيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم). وهل تحريم الصيد (وهو صيد البر بدلالة الآية التي تليها) يشمل جميع أنواع الحيوانات البرية، سواء أكان لحمها حلالا أم حراماً، أم أنّه يختص بحلال اللحم منها؟ لا تتفق آراء المفسّرين والفقهاء بهذا الشأن، إِلاّ أنّ المشهور بين فقهاء الإِمامية ومفسريهم أنّ الحكم عام، ويؤيد ذلك الرّوايات المروية عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، أمّا فقهاء أهل السنة فمنهم - مثل أبي حنيفة - من يتفق مع الإِمامية في ذلك، ومنهم - كالشافعي - من يرى الحكم مقصوراً على الحيوانات المحللة اللحوم ولكن الحكم، على كل حال، لا يشمل الحيوانات الأهلية، لأنّ الحيوانات الأهلية لا توصف بالصيد، إِنّ ممّا يستلفت النظر في رواياتنا هو أنّ الصيد ليس وحده المحرم أثناء الإِحرام، بل التحريم يشمل حتى الإِعانة على الصيد، والإِشارة أو الدلالة عليه أيضاً. قد يظن بعض أنّ الصيد لا يشمل ذوات اللحم الحرام، إِلاّ أنّ الأمر ليس كذلك، لأنّ الغرض من صيد الحيوان متنوع، فمرّة يكون الغرض لحمها، وأُخرى جلدها، وثالثة لدفع أذاها، ثمّة بيت ينسب إِلى الإِمام علي (ع) من الممكن أن يكون شاهداً على هذا التعميم: يقول: صيد الملوك أرانب وثعالب***وإِذا ركبت فصيدي الأبطال وللإِستزادة من المعرفة بشأن أحكام الصيد الحلال والحرام يمكن الرجوع إِلى الكتب الفقهية. ثمّ بعد ذلك يشار إِلى كفارة الصيد في حال الإِحرام، فيقول: (ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم). فهل المقصود من "مثل" هو التماثل في الشكل والحجم أي إِذا قتل أحد حيواناً وحشياً كبيراً مثل النعامة - مثلا - فهل يجب عليه أنّ يختار الكفارة من الحيوانات الكبيرة، كالبعير مثلا أو إِذا صاد غزالا، فهل كفارته تكون شاة تقاربه في الحجم والشكل؟ أم أنّ "مثل" هو التماثل في القيمة؟ إِنّ المشهور والمعروف بين الفقهاء والمفسّرين هو الرأي الأوّل، كما أنّ ظاهر الآية أقرب إِلى هذا المعنى، وذلك لأنّه بالنظر لعمومية الحكم على الحيوانات ذوات اللحم الحلال وذوات اللحم الحرام، فإنّ أكثر هذه الحيوانات ليس لها قيمة ثابتة لكي يمكن إختيار مثيلاتها من الحيوانات الأهلية. وهذا - على كلّ حال - قد يكون ممكناً في حالة وجود المثيل من حيث الشكل والحجم، أمّا حالة انعدام المثيل، فلا مندوحة من تقدير قيمة للصيد بشكل من الأشكال، وليمكن إِختيار حيوان أهلي حلال اللحم يقاربه في القيمة. ولمّا كان من الممكن أن تكون قضية التماثل موضع شك عند بعضهم فقد أصدر القرآن حكمه بأن ذلك ينبغي أنّ يكون بتحكيم شخصين مطلعين وعادلين: (يحكم به ذوا عدل منكم). أمّا عن مكان ذبح الكفارة، فيبيّن القرآن أنّه يكون بصورة "هدي" يبلغ أرض الكعبة: (هدياً بالغ الكعبة). والمشهور بين فقهائنا هو أنّ "كفارة الصيد أثناء الإِحرام للعمرة" يجب أنّ تذبح في "مكّة" و"كفارة الصيد أثناء الإِحرام للحج" يجب أن تذبح في "منى"، وهذا لا يتعارض مع الآية المذكورة، لأنّها نزلت في إِحرام العمرة، كما قلنا. ثمّ يضيف أنّه ليس ضرورياً أنّ تكون الكفارة بصورة أضحية، بل يمكن الإِستعاضة عنها بواحد من اثنين آخرين: (أو كفارة طعام مساكين) و (أو عدل ذلك صياماً). مع أنّ الآية لا تذكر عدد المساكين الذين يجب إِطعامهم، ولا عدد الأيّام التي يجب أنّ تصام، فإن إِقتران الاثنين معاً من جهة، والتصريح بلزوم الموازنة في الصيام، يدل على أنّ المقصود ليس إِطلاق عدد المساكين الذين يجب إِطعامهم بحسب رغبتنا، بل المقصود تحديد ذلك بمقدار قيمة الأضحية. أمّا كيف يتمّ التوازن بين الصيام وإِطعام المسكين، فيستفاد من بعض الرّوايات أنّ مقابل كلّ "مدّ" من الطعام (ما يعادل نحو 750 غراماً من الحنطة وأمثالها) يصوم يوماً واحداً، ويستفاد من روايات أُخرى أنّه يصوم يوماً واحداً في مقابل كلّ "مدّين" من الطعام، وهذا يعود في الواقع إِلى أن الذي لا يستطيع صوم رمضان يكفّر عن كل يوم منه بمدّ واحد أو بمدّين اثنين من الطعام للمحتاجين (لمزيد من الإطلاع بهذا الخصوص انظر الكتب الفقهية). أمّا إِذا ارتكب محرم صيداً فهل له أن يختار أيّاً من هذه الكفارات الثلاث، أو أنّ عليه أن يختار بالترتيب واحدة منها، أي الذبيحة أوّلا، فإن لم يستطع فإطعام المسكين، فإنّ لم يستطع فالصيام، فالفقهاء مختلفون في هذا، ولكن ظاهر الآية يدل على حرية الإِختيار. إِنّ الهدف من هذه الكفارات هو (ليذوق وبال أمره) (1). ثمّ لما لم يكن لأي حكم أثر رجعي يعود إِلى الماضي، فيقول: (عفا الله عما سلف). أمّا من لم يعتن بهذه التحذيرات المتكررة ولم يلتفت إِلى أحكام الكفارة وكرر مخالفاته لحكم الصيد وهو محرم فإنّ الله سوف ينتقم منه في الوقت المناسب: (ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام). ثمّة نقاش بين المفسّرين عمّا إِذا كانت كفارة صيد المحرم تتكرر بتكرره، أو لا، ظاهر الآية يدل على أنّ التكرار يستوجب انتقام الله، فلو استلزم تكرار الكفارة لوجب أنّ لا يكتفي بذكر الإِنتقام الإِلهي، وللزم ذكر تكرار الكفارة صراحة، وهذا ما جاء في الرّوايات التي وصلتنا عن أهل البيت (عليهم السلام). ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ﴾ المحلل وبعض المحرم كالثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والقمل ﴿وَأَنتُمْ حُرُمٌ﴾ جمع حرام بمعنى محرم ﴿وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا﴾ ذاكرا للإحرام والحرمة ومثله الناسي والمخطىء، ذكر المتعمد لنزولها فيه وهو أبو البشر قتل حمار وحش برمحه محرما ﴿فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ﴾ أي فعليه جزاء مماثل ما قتله ﴿مِنَ النَّعَمِ﴾ صفة للجزاء أو تفسير المثل ﴿يَحْكُمُ بِهِ﴾ أي بمثل ما قتل ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ مسلمان عادلان فقيهان يعرفان المماثل في الخلقة وقرأ الباقر والصادق ذو عدل وفسراه بالإمام ﴿هَدْيًا﴾ حال من الهاء في به أو من جزاء ﴿بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ صفة هديا أو إضافة لفظية، قيل بلوغه الكعبة: ذبحه في الحرم والتصدق به، وعندنا ذبحه بفناء الكعبة في الجزورة والتصدق به فيها للمعتمر وبمنى كذلك للحاج ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ﴾ عطف على جزاء ﴿طَعَامُ مَسَاكِينَ﴾ عطف بيان أو خبر محذوف أي يكفر بإطعام مساكين ما يساوي قيمة الهدي ﴿أَو عَدْلُ﴾ أو مساوي ﴿ذَلِكَ﴾ الطعام ﴿صِيَامًا﴾ تمييز عدل فيصوم عن طعام كل مسكين يوما ﴿لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ أي فعليه كذا ليذوق ثقل جزاء فعله ﴿عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف﴾ من قتل الصيد محرما أول مرة مع الجزاء أو قبل التحريم أو في الجاهلية ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ إلى ذلك ﴿فَيَنتَقِمُ﴾ فهو ممن ينتقم ﴿اللّهُ مِنْهُ﴾ وعنهم (عليهم السلام): ليس عليه الكفارة إن أصابه ثانيا متعمدا بل هو ممن ينتقم الله منه وإن أصاب خطأ فعليه الكفارة وإن عاد مرارا ﴿وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ ممن عصاه.