التّفسير
براءة المسيح من شرك أتباعه:
هذه الآيات تشير إِلى حديث يدور بين الله والمسيح يوم القيامة، بدليل أنّنا بعد بضع آيات نقرأ: (هذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم) ولا شك أنّه يوم القيامة.
ثمّ أنّ جملة (فلمّا توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم) دليل آخر على أنّ الحوار قد جرى بعد عهد نبوة المسيح (ع)، والفعل "قال" الماضي لا يتعارض مع ما ذهبنا
إِليه، لأنّ القرآن مليء بذكر أُمور عن يوم القيامة استعمل فيها الزمن الماضي، وهو إِشارة إِلى أنّ وقوعه حتمي، أي أنّ مجيئه فى المستقبل على درجة من الثبوت والحتمية بحيث أنّه يبدو وكأنّه قد وقع فعلا، فيستعمل له صيغة الماضي.
على كل حال تقول الآية الاُولى: (وإِذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتّخذوني وأمّي إِلهين من دون الله).
لا ريب أنّ المسيح (ع) لم يقل شيئاً كهذا، بل دعا إِلى التوحيد وعبادة الله،أنّ القصد من هذا الإِستفهام هو إِستنطاقه أمام أُمّته وبيان إِدانتها.
فيجيب المسيح (ع) بكل احترام ببضع جمل على هذا السؤال:
1 - أوّلا ينزّه الله عن كل شرك وشبهة: (قال سبحانك).
2 - ثمّ يقول: (ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) أي ما لا يحق لي قوله ولا يليق بي أن أقوله.
فهو في الحقيقة لا ينفي هذا القول عن نفسه فحسب، بل ينفي أن يكون له حق في قول مثل هذا القول الذي لا ينسجم مع مقامه ومركزه.
3 - ثمّ يستند إِلى علم الله الذي لا تحده حدود تأكيداً لبراءته فيقول: (إِن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إِنّك أنت علام الغيوب) (1).
﴿وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ تنزيها لك أن يكون لك شريك ﴿مَا يَكُونُ﴾ ما ينبغي ﴿لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ أن أقول قولا لا يحق لي أن أقوله ﴿إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ أي معلوماتك وذكر النفس للمشاكلة ﴿إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾ يقرر الجملتين منطوقا ومفهوما.