6 - (إِن تعذبهم فإنّهم عبادك وإِن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم)، أي على كل حال فالأمر أمرك والإِرادة إِرادتك، إِن شئت أن تعاقبهم على إِنحرافهم الكبير فهم عبيدك وليس بامكانهم أن يفروا من عذابك، فهذا حقّك بإزاء العصاة من عبيدك، وإِن شئت أن تغفر لهم ذنوبهم فإنّك أنت القوي الحكيم، فلا عفوك دليل ضعف، ولا عقابك خال من الحكمة والحساب.
هنا يتبادر إِلى الذهن سؤالان:
1 - هل يوجد في تاريخ المسيحية ما يدل على أنّهم اتّخذوا من (مريم) معبودة؟ أم أنّهم إِنّما قالوا فقط بالتثليث أو الآلهة الثلاثة: (الإِله الأب) و (الإِله الابن) و (روح القدس) على اعتبار أن (روح القدس) هو الوسيط بين (الإِله الأب) و (الإِله الابن) وهو ليس (مريم).
للإِجابة على هذا السؤال نقول: صحيح أنّ المسيحيين لم يؤلهوا مريم، ولكنّهم كانوا يؤدون أمام تمثالها طقوس العبادة، كالوثنيين الذى لم يكونوا يعتبرون الأصنام آلهة، ولكنّهم كانوا يعتبرونها شريكة لله في العبادة.
وهناك فرق بين "الله" بمعنى الخالق، والـ"إله" بمعنى المعبود، وكانت (مريم) عند المسيحيين (آلهة) لا أنّها بمثابة "الله".
يقول أحد المفسّرين: إِنّ المسيحيين على إختلاف فرقهم، وإن لم يطلقوا كلمة (إِله) أو معبود على مريم، واعتبروها أم الإِله لا غير، فهم في الواقع يقدمون لها طقوس الدعاء والعبادة، سواء أطلقوا عليها هذا الاسم أم لم يطلقوه، ثمّ يضيف قائلاً: قبل مدّة صدر في بيروت العدد التاسع من السنة السابقة من مجلة (المشرق) المسيحية بمناسبة الذكرى الخمسين للبابا (بيوس التاسع) وفيها مواضيع مثيرة عن السيدة مريم، منها تصريح بأنّ كلتا الكنيستين الشرقية والغربية تعبدان (مريم).
وفي العدد الرّابع عشر من السنة الخامسة من المجلة نفسها مقال بقلم (الأب انستانس الكرملي) حاول فيه أن يعثر عن أُصول عبادة مريم حتى في العهد القديم، فراح يفسر حكاية الأفعى (الشيطان) والمرأة (حواء) باعتبارها حكاية مريم (3).
وعليه فإنّ عبادة مريم موجودة بينهم.
2 - السؤال الثّاني: كيف يتحدث المسيح (ع) عن مشركي أُمّته بعبارات يشم منها رائحة الشفاعة لهم فيقول: (وإِن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم) ؟ أيكون المشرك أهلا للشفاعة والغفران؟
في الجواب نقول: لو كان قصد عيسى (ع) هو الشفاعة لهم لكان عليه أن يقول: (فإنك أنت الغفور الرحيم) لأن غفران الله ورحمته هما اللذان يناسبان مقام الشفاعة، ولكنّنا نراه يقول (فإنّك أنت العزيز الحكيم) من هذا يتّضح أنّه لم يكن في مقام الشفاعة لهم، بل كان يريد أن ينفي عن نفسه أي اختيار وأن يوكل الأمر كلّه إلى الله، إِن شاء عفا، وإِن شاء عاقب، وكل مشيئة منه سبحانه تستند إِلى حكمة.
ثمّ ربّما كما بينهم جماعة أدركت خطأها وسارت على طريق التوبة، فتكون هذه الجملة قد قيلت بحقها.
﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ الأحقاء بالعذاب إذ عبدوا غيرك ﴿وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ المنيع القادر على الثواب والعقاب بمقتضى الحكم.