أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
مبدأ الصلح وحقن الدماء في القرآن
مبدأ الصلح وحقن الدماء في القرآن
الكاتب : حسين علي الشامي

تأريخ النشر : 2018-11-28 09:38:45

مبدأ الصلح وحقن الدماء في القرآن حسين علي الشامي راعَى الإسلامُ حياةَ الناس والمسلمين وعالج قضايا تخصّ النظام الاجتماعي للتعايش البشري بشكل عام وكل هذا من أجل إحداث نوع من التوازن داخل طبقات المجتمع الواحد وراعى التفاوت الذهني والفكري والأخلاقي والاجتماعي في المجتمع الواحد ولم يترك صغيرة ولا كبيرة بموضوع أخلاق الفرد المسلم إلا أخذها بالحسبان، فجعل العلاقة بين الفرد أقرب ما تكون إلى العلاقة الرياضية التي تسمى بعلاقة الاقتضاء باتجاهين؛ إذ إنه جعل للفرد واجبًا وحقًا كما جعل على الفرد واجبًا تجاه المجتمع مراعيا بذلك العلاقة التي تربط الفرد بمجتمعه لكي لا يجعل فجوة بذلك ومن هذه الحقوق التي حماها الإسلام بمبادئه وتعاليمه حق الحياة والأمن والأمان للإنسان كفرد وللمجتمع بصورة عامة فحمى الفرد والمجتمع بسلسلة من القوانين والمبادئ مراعيا الأذهان البشرية والفكر والبيئة التي يعيش فيها الناس وكان ومازال الهدف من هذه القوانين هو رعاية الناس والحفاظ على حقّهم بالحياة مهما اختلفت الديانة أو المعتقد، فالكل على حدٍ سواء ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(البقرة 256) فالذي يَدَّعي الآن أو فيما سبق أن الإسلام دعا إلى العنف ورغّب فيه فهو كاذب ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾(المائدة 32) وهذا دليل قاطع وواضح على أن الإسلام منع وحرّم قتل الناس وسلب حياتهم بل أنه حرَّض على إحياء الناس بالخير والفكر والأمان ودفع إلى تطوير المجتمعات البشرية لا يفرق بين أحد سواء كان هذا الفرد مسلما أم يدين بديانة أخرى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات 13) فالفرق الوحيد والواضح الذي يرتقي به الإنسان إلى أرقى درجات الكمال هو التقوى والابتعاد عن معصية الله تعالى وتهذيب النفس والمحافظة على التوازن الاجتماعي سواء كان الوسط وسطًا قبليًّا أم على صعيد شعوب كاملة ومتنوّعة وقد أكّد أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) برسالته التهذيبية إلى مالك الأشتر ووصاياه العالية له أنّ الناس صنفان: (أما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق) فلا يجوز ولا يحق لأيِّ شخص مهما كانت المسميات أن يسلب حياة وأمان شخص، ناهيك عن أن الإسلام قد شرّع أنظمة خاصة لتشديد عقوبة القاتل والمعتدي على حقوق الناس والسالب لأمانه فجعل قوانين الحد والقصاص والهدف من هذه القوانين هو هدف سامٍ حيث أن الشرع وقف موقف الناصر للمظلوم وحذّر المجتمع بصورة عامة من الاعتداء على أرواح الناس كذلك دفع نحو التعايش السلمي والحفاظ على طبقات المجتمع الواحد ورعايتها: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾(الإسراء 33) فالنص واضح بإشارته إلى أنّ الإسراف بالقتل يُعد جرماً مذمومًا وممنوعا حتى لو كان ولي الدم على حق ويطلب المقابل حق دم فإنه يُمنع من الإسراف بالقتل وعليه أن يرجع إلى الحكومة الشرعية التي تقود البلد لأخذ حقه من المعتدي، قال تعالى ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة 179) فالقصاص فيه عنوان للحياة والسبب في هذه الحياة أن مُنَفِّذ الحكم الشرعي وهو الاقتصاص من القاتل يكون على يد ولي أمر المسلمين أي الإمام أو من ينوب عنه ولا يمكن لأيِّ أحد سواهما تنفيذ حكم القصاص بدلاً عنهما كما أن الإسلام لم يجعل القصاصَ الحلَّ الوحيد على الرغم من أنه حلٌّ مناسب وذو أهدافٍ عُليا إلّا أنه دعا للصلح والابتعاد عن إراقة الدم والقتل بالمقابل: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(الحجرات: 9) فالصلح يُعد المبدأ الواضح في الشريعة الإسلامية ليس فقط بين المسلمين وداخل المجتمع الإسلامي بل أنه دعا له حتى مع المشركين والكافرين ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (النساء: 128) فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الرغم من أنه كان قادرا على القتال ومنتصرا بأمر الله تعالى إلا أنه دعا الى الصلح والسلم في صلحه مع مشركي وكفار قريش في صلح الحديبية وكذلك الموقف ذاته مع النصارى من نجران في الحادثة المعروفة إلا أنه لم يفرض لهم غير السلم والأمان لهم مقابل الجزية: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة 29) وسار على المنهاج المحمّديّ ذاته ابن رسول الله وسبطه الإمام الحسن (عليه السلام) بحفظ بيضة الإسلام ورعاية المسلمين بقبوله الصلح مع معاوية وهذا الصلح يعد من أكبر المعاهدات الإسلامية التي راعت جميع مذاهب المسلمين ومنعت من وقوع الفتنة بينهم. خاتمة القول إن ما يحدث اليوم من إرهاب لا إسلاميّ فهو لا يمت إلى الإسلام بشيء على الرغم من دعوة المزيفين وممن يُنسبون إلى الإسلام، وأكبر دليل على ذلك هو ما دعا إليه الإسلام من خلال نصوص تشريعاته ودعوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومن ثم أئمة الهدى (عليهم السلام) إلى الخير وخلاص البشرية.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

مبدأ الصلح وحقن الدماء في القرآن
Image 1
تاريخ النشر 2018-11-28

مبدأ الصلح وحقن الدماء في القرآن حسين علي الشامي راعَى الإسلامُ حياةَ الناس والمسلمين وعالج قضايا تخصّ النظام الاجتماعي للتعايش البشري بشكل عام وكل هذا من أجل إحداث نوع من التوازن داخل طبقات المجتمع الواحد وراعى التفاوت الذهني والفكري والأخلاقي والاجتماعي في المجتمع الواحد ولم يترك صغيرة ولا كبيرة بموضوع أخلاق الفرد المسلم إلا أخذها بالحسبان، فجعل العلاقة بين الفرد أقرب ما تكون إلى العلاقة الرياضية التي تسمى بعلاقة الاقتضاء باتجاهين؛ إذ إنه جعل للفرد واجبًا وحقًا كما جعل على الفرد واجبًا تجاه المجتمع مراعيا بذلك العلاقة التي تربط الفرد بمجتمعه لكي لا يجعل فجوة بذلك ومن هذه الحقوق التي حماها الإسلام بمبادئه وتعاليمه حق الحياة والأمن والأمان للإنسان كفرد وللمجتمع بصورة عامة فحمى الفرد والمجتمع بسلسلة من القوانين والمبادئ مراعيا الأذهان البشرية والفكر والبيئة التي يعيش فيها الناس وكان ومازال الهدف من هذه القوانين هو رعاية الناس والحفاظ على حقّهم بالحياة مهما اختلفت الديانة أو المعتقد، فالكل على حدٍ سواء ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(البقرة 256) فالذي يَدَّعي الآن أو فيما سبق أن الإسلام دعا إلى العنف ورغّب فيه فهو كاذب ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾(المائدة 32) وهذا دليل قاطع وواضح على أن الإسلام منع وحرّم قتل الناس وسلب حياتهم بل أنه حرَّض على إحياء الناس بالخير والفكر والأمان ودفع إلى تطوير المجتمعات البشرية لا يفرق بين أحد سواء كان هذا الفرد مسلما أم يدين بديانة أخرى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات 13) فالفرق الوحيد والواضح الذي يرتقي به الإنسان إلى أرقى درجات الكمال هو التقوى والابتعاد عن معصية الله تعالى وتهذيب النفس والمحافظة على التوازن الاجتماعي سواء كان الوسط وسطًا قبليًّا أم على صعيد شعوب كاملة ومتنوّعة وقد أكّد أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) برسالته التهذيبية إلى مالك الأشتر ووصاياه العالية له أنّ الناس صنفان: (أما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق) فلا يجوز ولا يحق لأيِّ شخص مهما كانت المسميات أن يسلب حياة وأمان شخص، ناهيك عن أن الإسلام قد شرّع أنظمة خاصة لتشديد عقوبة القاتل والمعتدي على حقوق الناس والسالب لأمانه فجعل قوانين الحد والقصاص والهدف من هذه القوانين هو هدف سامٍ حيث أن الشرع وقف موقف الناصر للمظلوم وحذّر المجتمع بصورة عامة من الاعتداء على أرواح الناس كذلك دفع نحو التعايش السلمي والحفاظ على طبقات المجتمع الواحد ورعايتها: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾(الإسراء 33) فالنص واضح بإشارته إلى أنّ الإسراف بالقتل يُعد جرماً مذمومًا وممنوعا حتى لو كان ولي الدم على حق ويطلب المقابل حق دم فإنه يُمنع من الإسراف بالقتل وعليه أن يرجع إلى الحكومة الشرعية التي تقود البلد لأخذ حقه من المعتدي، قال تعالى ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة 179) فالقصاص فيه عنوان للحياة والسبب في هذه الحياة أن مُنَفِّذ الحكم الشرعي وهو الاقتصاص من القاتل يكون على يد ولي أمر المسلمين أي الإمام أو من ينوب عنه ولا يمكن لأيِّ أحد سواهما تنفيذ حكم القصاص بدلاً عنهما كما أن الإسلام لم يجعل القصاصَ الحلَّ الوحيد على الرغم من أنه حلٌّ مناسب وذو أهدافٍ عُليا إلّا أنه دعا للصلح والابتعاد عن إراقة الدم والقتل بالمقابل: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(الحجرات: 9) فالصلح يُعد المبدأ الواضح في الشريعة الإسلامية ليس فقط بين المسلمين وداخل المجتمع الإسلامي بل أنه دعا له حتى مع المشركين والكافرين ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (النساء: 128) فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الرغم من أنه كان قادرا على القتال ومنتصرا بأمر الله تعالى إلا أنه دعا الى الصلح والسلم في صلحه مع مشركي وكفار قريش في صلح الحديبية وكذلك الموقف ذاته مع النصارى من نجران في الحادثة المعروفة إلا أنه لم يفرض لهم غير السلم والأمان لهم مقابل الجزية: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة 29) وسار على المنهاج المحمّديّ ذاته ابن رسول الله وسبطه الإمام الحسن (عليه السلام) بحفظ بيضة الإسلام ورعاية المسلمين بقبوله الصلح مع معاوية وهذا الصلح يعد من أكبر المعاهدات الإسلامية التي راعت جميع مذاهب المسلمين ومنعت من وقوع الفتنة بينهم. خاتمة القول إن ما يحدث اليوم من إرهاب لا إسلاميّ فهو لا يمت إلى الإسلام بشيء على الرغم من دعوة المزيفين وممن يُنسبون إلى الإسلام، وأكبر دليل على ذلك هو ما دعا إليه الإسلام من خلال نصوص تشريعاته ودعوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومن ثم أئمة الهدى (عليهم السلام) إلى الخير وخلاص البشرية.

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.