أنت في الصفحة : مقالات
تأريخ النشر : 2018-11-28 09:40:42
أنت في الصفحة : مقالات
جاري التحميل ...
سيكولوجية الإنسان مع الله م.م. ضحى ثامر الجبوري يعيش الإنسان في حياة تتسم بالسرعة والتغيير والتجديد والانقلابات وكثرة الأعمال والأشغال بإزاء متطلبات الحياة التي أصبح العمل الواحد قد لا يكفي لسد احتياجات الإنسان، فنجده إنْ حل عليه الليل مرهقًا ومتعبًا، وفكره مليء بغده، ومع هذا تراه مهمومًا ومكتئبًا في أغلب وقته، فماذا يحتاج الإنسان مع تزاحم أعماله أو مع مروره بمرحلة تنغلق بوجهه الأبواب فيمر بفترة ركود وخمود؟ فتزداد الحاجة إلى التقرب لله عزّ وجل ، ولكن رُبّ سال يسأل: كيف أتقرب إلى الله وأنا أقوم بأداء الفرائض الخمس وأدعو الله أليس الصلاة هي أقرب الطرق إلى الله؟ والإجابة: نعم الصلاة من أقرب العبادات والطرق المؤدية إلى الله وهي جوهر العبادات ولها آثار عظيمة على العبد، لتوصله إلى الكمالات الواقعية والسعادة الحقيقية، وتظهر آثار العبودية والعبادة عبرها على جميع جوارحه وافعاله، إذ التوجّه إلى الله تعالى غاية عظيمة هدفها ارتباط الإنسان بتلك المقاصد الدنيوية والآخروية: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة 153)، وقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ (البقرة 238)، فالصلاة هي نور المؤمن كما قال سيّدنا ورسولنا محمد (صلى الله عليه وآله) فهي العمود النوري المتصل بين الحي القيوم والعبد الذليل في خوض معتركات الحياة من خلال الاستعانة بها. والصلاة عون المرء وعمود دينه وعلامة إيمانه ووسيلة تربوية تعمل على تنمية أخلاق المرء من خلال إحياء ضميره باستمرار:﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت 45). وإنّ الصلاة عمود يرتقي الإنسان بها أمام الله وعباده، فالله يباهي ملائكته بعبده العابد الذاكر له. ولكن كم من بني البشر ممن لا يؤدي الصلاة بسبب ملهيات الحياة ولاسيما في وقتنا الراهن وعالم الانترنيت، وكم ممن يؤدي صلاته بمجرد حركات بعيدا عن الأرتباط الروحي القدسي مع الله، أو ممن تنطبق عليه الاية الكريمة ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ (الماعون1-2)، وهل يكون فكره خالٍ حين يؤدي صلاته في زحمة العمل أو مع ضجيج الحياة والعائلة، فكيف ستكون صلاة المرء؟ إنّ من سمات الإنسان الناجح أن يراجع يومه عند نهايته وهذا يعني تخصيص وقت معين لتلك المراجعة فلما لا يكون ذلك الوقت اختلاء مع الله حين تهدأ النفوس ويخلى المكان وتنهي عملك اليومي تقرب من الله بالصلاة وتلاوة القرآن والدعاء فليكن دعاؤك مراجعة ليومك وما مررت به من احداث وما تفوهت بكلام وما فعلت من أمور أو كلام سلبي أو ايجابي تكلّم مع الله بصراحة اخلي قلبك، اضحك وابْكِ بصوت عالٍ اسأل الله ما شئت بلطف وبخلق عال، أفلا بذكر الله تطمئن القلوب انْهِ يومك بالاستغفار والصلاة فإنّها لكبيرة عند الله: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ (المزمل 6) ، إنَّ في صلاة الليل ذلك التَّقرّب المعنوي من الله؛ إذ قال رسول الله (ص):(عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَتَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ وَمَطْرَدَةُ الدَّاءِ عَنْ أَجْسَادِكُم) (بحار الأنوار 84/188) وفي صلاة الليل نور الوجه والقلب والبيت الذي يصلى فيه بالليل فهو ضياء لأهل السماء ، يقول (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَخَلَّى بِسَيِّدِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَنَاجَاهُ أَثْبَتَ اللَّهُ النُّورَ فِي قَلْبِه) (روضة الواعظين وبصيرة المتعظين 2/446) وصلاة الليل هي سراج لصاحبها في ظلمة القبر كما قال حبيبنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله). ولصلاة الليل فوائد لصحة الإنسان، إذ أكّد الطب الحديث بأن قيام الإنسان لصلاة الثلث الأخير من الليل تحدث تغيرات فسيولوجية عدّة لجسم المصلي، منها حمايته من ارتفاع ضغط الدم والجلطات القلبية والموت المفاجئ. وإذا استيقظ المسلم في الثلث الأخير من الليل فإنه يكون أقل عرضة لأمراض الجهاز التنفسي؛ لأنه يحمي الجهاز التنفسي من أمراض الحساسية والتهابات الجيوب الأنفية، كما أن الصلاة وكثرة السجود تحفظ الرئة من الأمراض؛ إذ إن في حالة السجود يزداد تدفق الدم إلى المنطقة الأولى الجدبة من الرئة وبالتالي تحصل على أوكسجين أعلى في هذا الوقت ومن ثم تكون أقل عرضة للتدرن الرئوي ومرض السرطان (ينظر: اضطرابات النوم، د/ سراج ولي ص 58 - 66) وفائدة النوم على طهارة واستحضار نية الاستيقاظ لقيام الليل يجعل المسلم هادئ البال، منشرح الصدر مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الكورتيزون وزيادة الليكوترينز فتتحسن دورات النوم ويصحو هادئًا نشيطًا، كما جاء في الحديث الشريف قال رسول الله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَعْقِدُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَان) (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل 6/340) من أجل ذلك وغيره حثّنا القرآن الكريم على قيام الليل قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُّحمودا﴾ (الاسراء 79). وقال تعالى: ﴿تَتجَاف جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (السجدة 16-17). وأخيرا إنّ ابتهال العبد وخشوعه إلى الله في وقت يختلي به يكون قد حقق لنفسه الهدوء والطمأنينة والسعادة والرضا وسعة في الرزق ونورًا في القلب والوجه ودعاءً مستجاب ودارًا صالحة في دنياه واخرته، واكتسب صحة هانئة.
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...