أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
فن الحوار من منظور قرآني
فن الحوار من منظور قرآني
الكاتب : أحمد الخالدي

تأريخ النشر : 2019-01-20 18:55:30

أحمد الخالدي لا شك في أنّ القرآن الكريم اشتمل على كل الأمور الضرورية التي يحتاج إليها الإنسان في معاشه ومعاده وقد نزلتْ كلُّ الشرائع لعرض الخطوط العريضة والقواعد الرئيسة التي تتفرع منها التفاصيل الأخرى فكانت أوامرُ الله ونواهيه كلياتٍ تنطبق على جزئيات مما يجعل من التشريعات الإلهيّة والوصايا الربانية التي نزلت في القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية مناسبة لكافة الأزمان والأمكنة وقد ذكر اللهُ سبحانه وتعالى إشارةً لذلك في قوله تعالى في ذيل الآية (89) من سورة النحل (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) وفي ذيل الآية (12) من سورة الإسراء (وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) والآية (29) من سورة النبأ (وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) وعلى ذلك فإنّ مبادئ فن الحوار قد ذكرت في القرآن الكريم _ولو إجمالاً_ وفي هذه الأسطر سنتبع النور الذي أنزل مع القرآن لنلتقط بعضاً من لمعاته في محاولة للإشارة إلى مبدأ مهم من مبادئ الفنون التي يحتاجها الإنسان في هذه الدنيا من جانبين مهمين أولهما العيش في بيئة تخلو من الشحناء والبغضاء، بيئة يمكن للإنسان فيها أن يكون مستقراً فيقوم بواجباته تجاه خالقه وتجاه الناس على أكمل وجه والجانب الآخر هو في إمكانية هذا الإنسان في الدعوة إلى سبيل الله بالطريقة التي يترتب عليها الإقناع وقد أشرنا إلى مواضع نراها مهمة في ترسيخ مبدأ الحوار القرآنيّ وسنحاول تسليط الضوء عليها. الموضع الأول في سورة الرحمن الآيات من 1_4 في قوله تعالى (الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ). وهذه الآية تكشف أنّ الله سبحانه وتعالى هو مَن أسس قواعد هذا الفن وعلّمها لبني البشر فهو الذي علّم البيان وما يترتب عليه من طرائق التواصل مع بني الإنسان لذا فإنّ تعلم هذا الفن من الأمور المهمة التي يحتاجها المؤمن في حياته. وفي سورة البقرة (الآية 23) يضرب الله مثلاً حياً عن تطبيق هذه المبادئ فيحتجَّ على المعاندين في كلامه الذي نزله على نبيّه الخاتم (صلى الله عليه وآله) فيقول تعالى:(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)، وفي هذه الآية إقرار بأنّ المبدأ الأول في التعامل والتعايش هو الحوار بدليل أنّه سبحانه أعطى المعاندين الفرصة ليرجعوا إلى عقولهم فيفكروا ويقروا بأنّهم عاجزون عن الإتيان بمثل هذا القرآن ولو اجتمعوا عليه جميعاً لكن أفئدتهم ران عليها سوء أفعالهم فجحدوا آيات الله وأغمضوا عيونهم عن فضله وإنعامه عليهم. وفي موضع آخر نرى أنّ الله أمر نبيّه (صلى الله عليه وآله) بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إليه حيث يقول في الآية 125من سورة النحل:(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ))، أيّ حاورهم يامحمد (صلى الله عليه واله) بما يصلح لهم دينهم ودنياهم ودلّهم على سبيل النجاة بما أوتيتَ من رفق وحكمة وكن واعظاً لهم حتى يستأنسوا إليك ولا ينفرون منك، كما بيّنته آية أخرى في كتاب الله وهي الآية (159من سورة آل عمران ) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ففي هذه الآية يشير الله سبحانه وتعالى أنّ الرحمةَ ورقة القلب والعفو عند المقدرة هي أخلاق جاذبة غير منفرة وبها استطاع رسول الله (صلى الله عليه واله) أن يهدي كثيراً من الخلق إلى صراط الله المستقيم. ومثل ذلك ما أمر به الله تعالى نبيّه موسى (عليه السلام) حين قال له في الآية 44 من سورة طه حين أمره هو وأخاه أن يذهبا إلى فرعون :(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) على الرغم من أن فرعون طغى وقال أنا ربكم الأعلى. والأمر الآخر هو كيفية الاحتجاج من خلال تحفيز العقل باتخاذ الدليل على صحة المعتقد وهذا ما فعله نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) في قول الله تعالى في الآيات 62 _ 66 من سورة الأنبياء: (قالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (62) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (65) قالَ أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66)) وقريب منه استدلال مؤمن آل فرعون في الآيتين 41 و42 من سورة غافر (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ). وفي هذا المجال الكثير من الآيات التي لم نتطرّق إليها في هذه العجالة عسى أن نوفق لاحقاً للوقوف عندها واستنطاق مضامينها.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

فن الحوار من منظور قرآني
Image 1
تاريخ النشر 2019-01-20

أحمد الخالدي لا شك في أنّ القرآن الكريم اشتمل على كل الأمور الضرورية التي يحتاج إليها الإنسان في معاشه ومعاده وقد نزلتْ كلُّ الشرائع لعرض الخطوط العريضة والقواعد الرئيسة التي تتفرع منها التفاصيل الأخرى فكانت أوامرُ الله ونواهيه كلياتٍ تنطبق على جزئيات مما يجعل من التشريعات الإلهيّة والوصايا الربانية التي نزلت في القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية مناسبة لكافة الأزمان والأمكنة وقد ذكر اللهُ سبحانه وتعالى إشارةً لذلك في قوله تعالى في ذيل الآية (89) من سورة النحل (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) وفي ذيل الآية (12) من سورة الإسراء (وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) والآية (29) من سورة النبأ (وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) وعلى ذلك فإنّ مبادئ فن الحوار قد ذكرت في القرآن الكريم _ولو إجمالاً_ وفي هذه الأسطر سنتبع النور الذي أنزل مع القرآن لنلتقط بعضاً من لمعاته في محاولة للإشارة إلى مبدأ مهم من مبادئ الفنون التي يحتاجها الإنسان في هذه الدنيا من جانبين مهمين أولهما العيش في بيئة تخلو من الشحناء والبغضاء، بيئة يمكن للإنسان فيها أن يكون مستقراً فيقوم بواجباته تجاه خالقه وتجاه الناس على أكمل وجه والجانب الآخر هو في إمكانية هذا الإنسان في الدعوة إلى سبيل الله بالطريقة التي يترتب عليها الإقناع وقد أشرنا إلى مواضع نراها مهمة في ترسيخ مبدأ الحوار القرآنيّ وسنحاول تسليط الضوء عليها. الموضع الأول في سورة الرحمن الآيات من 1_4 في قوله تعالى (الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ). وهذه الآية تكشف أنّ الله سبحانه وتعالى هو مَن أسس قواعد هذا الفن وعلّمها لبني البشر فهو الذي علّم البيان وما يترتب عليه من طرائق التواصل مع بني الإنسان لذا فإنّ تعلم هذا الفن من الأمور المهمة التي يحتاجها المؤمن في حياته. وفي سورة البقرة (الآية 23) يضرب الله مثلاً حياً عن تطبيق هذه المبادئ فيحتجَّ على المعاندين في كلامه الذي نزله على نبيّه الخاتم (صلى الله عليه وآله) فيقول تعالى:(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)، وفي هذه الآية إقرار بأنّ المبدأ الأول في التعامل والتعايش هو الحوار بدليل أنّه سبحانه أعطى المعاندين الفرصة ليرجعوا إلى عقولهم فيفكروا ويقروا بأنّهم عاجزون عن الإتيان بمثل هذا القرآن ولو اجتمعوا عليه جميعاً لكن أفئدتهم ران عليها سوء أفعالهم فجحدوا آيات الله وأغمضوا عيونهم عن فضله وإنعامه عليهم. وفي موضع آخر نرى أنّ الله أمر نبيّه (صلى الله عليه وآله) بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إليه حيث يقول في الآية 125من سورة النحل:(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ))، أيّ حاورهم يامحمد (صلى الله عليه واله) بما يصلح لهم دينهم ودنياهم ودلّهم على سبيل النجاة بما أوتيتَ من رفق وحكمة وكن واعظاً لهم حتى يستأنسوا إليك ولا ينفرون منك، كما بيّنته آية أخرى في كتاب الله وهي الآية (159من سورة آل عمران ) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ففي هذه الآية يشير الله سبحانه وتعالى أنّ الرحمةَ ورقة القلب والعفو عند المقدرة هي أخلاق جاذبة غير منفرة وبها استطاع رسول الله (صلى الله عليه واله) أن يهدي كثيراً من الخلق إلى صراط الله المستقيم. ومثل ذلك ما أمر به الله تعالى نبيّه موسى (عليه السلام) حين قال له في الآية 44 من سورة طه حين أمره هو وأخاه أن يذهبا إلى فرعون :(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) على الرغم من أن فرعون طغى وقال أنا ربكم الأعلى. والأمر الآخر هو كيفية الاحتجاج من خلال تحفيز العقل باتخاذ الدليل على صحة المعتقد وهذا ما فعله نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) في قول الله تعالى في الآيات 62 _ 66 من سورة الأنبياء: (قالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (62) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (65) قالَ أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66)) وقريب منه استدلال مؤمن آل فرعون في الآيتين 41 و42 من سورة غافر (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ). وفي هذا المجال الكثير من الآيات التي لم نتطرّق إليها في هذه العجالة عسى أن نوفق لاحقاً للوقوف عندها واستنطاق مضامينها.

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.