أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
الانفاق جبهة من داخل الجهاد.. كي لا تهلكوا
الانفاق جبهة من داخل الجهاد.. كي لا تهلكوا
الكاتب : م.م. سرمد فاضل الصفار

تأريخ النشر : 2019-03-01 16:56:04

سرمد فاضل علي عندما نتدبّر آيات القرآن الكريم نجد أنه يوازن في جميع القضايا والأحكام التي تعرّض لها ويسلط عليها الضوء من الجوانب المحتملة جميعها، بحيث لا يدع ثغرات مفتوحة من دون أن يرسم لها حلولا. ومن تلك المسائل التي أولاها أهمية مسألة الجهاد في سبيل الله تعالى، فقد وجَّه الخطاب الالهي المسلمين الى العناية بجانبين، وربما يستحسن أن نسميهما جبهتان: الاولى من الخارج وهي مقارعة العدو ومنازلته بشكل مباشر، والثانية جبهة من الداخل وهي لا تقل أهمية عن الاولى؛ لأن عليها يقع تأمين الامداد المادي للمقاتلين وحوائج عوائلهم، فهذان جانبان مهمان أولاهما القرآن العناية البالغة فإذا ما اختل أحدهما فإنه يؤدي إلى الاخلالِ بالآخر حتماً. فعندما نأتي الى القرآن الكريم، ونتمعن الآية 195 من سورة البقرة، إذ قال تعالى (وَأَنْفِقُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ‏) نجد أن القرآن الكريم قد حثّ على الانفاق في سبيل الله تعالى، ومؤدى خلافه إلى القاء النفس في التهلكة. فهناك إرتباط معنوي بين جملة (وَأَنْفِقُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ) وقوله (وَلا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) بملاحظة أنّ عبارات الآيات القرآنية مترابطة ومتلازمة، والظّاهر أنّ الرّابطة بين هاتين العبارتين هو أنّكم لو لم تنفقوا في سبيل الله وفي مسار الجهاد فقد ألقيتم أنفسكم في التّهلكة.( ) والجدير بالذكر أن قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قد أصبح شعاراً للمتقاعسين الذين يريدون التهرّب من مسؤوليات العمل والتضحية( )، بل اتخذها بعضهم ذريعة للفرار من الجهاد في سبيل الله فتصوّر بعض الجهلاء من أنّ كلّ ألوان الجهاد الإبتدائي هو إلقاء النفس في التّهلكة وحتّى أنهم أحياناً يعدون قيام سيد الشهداء الإمام الحسين  في كربلاء مصداقًا لهذه الآية -والعياذ بالله- ، وهذا ناشىء من الجهل المطبق وعدم ادراك مفهوم الآية الشريفة، لأنّ إلقاء النفس بالتّهلكة يتعلّق بالموارد الّتي لا يكون فيها الهدف أثمن من النفس وإلاّ فلابدّ من التضحية بالنفس حفاظاً على ذلك الهدف المقدّس كما صنع الإمام الحسين وجميع الشهداء في سبيل الله كذلك.( ) ومفهوم الآية واضح وبيّن لمن تدبّر فيها، وليس العدول عن معناها إلا ضربًا من الفهم والتفسير الخاطئ وخروجاً عن الفهم الصحيح لآيات القرآن الكريم؛ لأن سياق الآيات الشريفة يدل على أنها نازلة دفعة واحدة، وقد سيق الكلام فيها لبيان غرض واحد وهو تشريع القتال لأول مرة مع مشركي مكة( ) ، قال تعالى (وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقينَ (194) وَ أَنْفِقُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ (195)) فالسياق القرآني يدل على أنها مترابطة في سياقها وهي تتحدث عن الجهاد. فإنّ الجهاد مثلما يحتاج الى الرجال المخلصين والمجرّبين كذلك بحاجة إلى المال والثروة أي بحاجة إلى الإستعداد البدني والمعنوي والمعدّات الحربيّة، صحيح أن العاملين والحاسمين في تقرير مصير الحرب هم الرجال بالدّرجة الاُولى، ولكنّ الجندي بحاجة إلى أدوات الحرب وهي (أعمّ من السلاح والأدوات ووسائل النقل والغذاء والوسائل الصحيّة) فإنّه بدونها لا يمكنه أن يفعل شيئاً.( ) وعلى الرغم أن كل مسلم مجاهد كان يجهز نفسه بعدة القتال، وزاد القتال، غير أن كثيراً من فقراء المسلمين الراغبين في الجهاد لم يكونوا يملكون ما يزودون به أنفسهم، ولا ما يتجهزون به من عدة الحرب، فكانوا يجيئون الى النبي  ويطلبون منه ان يجهزهم للحرب، فاذا لم يجد مايحملهم عليه  تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُون‏ ( )، كما حكى عنهم القرآن الكريم .( ) ثم أمر الله تعالى في آخر الآية محل البحث  وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنين‏  فهناك احتمالات عدّة في كلمات المفسّرين حول معنى الإحسان في الآية ، منها: أنّ المراد هو حسن الظن بالله (فلا تظنّوا أنّ إنفاقكم هذا يؤدي إلى الاختلال في معاشكم)، والآخر هو الاقتصاد والاعتدال في مسألة الإنفاق، وإحتمال ثالث مفاده دمج الإنفاق مع حسن الخلق للمحتاجين، بحيث يتزامن مع البشاشة وإظهار المحبّة و تجنّب أي لون من ألوان المنّة والأذى للشخص المحتاج، ولا مانع من أن يكون المراد في مفهوم الآية جميع هذه المعاني الثلاثة.( ) والحاصل أن القرآن يؤكد أن عدم الانفاق في سبيل الله يعني القاء النفس في التهلكة ذلك أن البخل يُسبب تضعضع الجبهة الداخلية للمؤمنين، وبالتالي انتصار الاعداء عليهم وإبادتهم مادياً ومعنوياً، ثم يطالب القرآن الأمة المؤمنة بالمزيد من البذل والعطاء حين يقول:  وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنين ( ) فالسياق هنا يؤكد أن المراد من التهلكة هنا هي ( التهلكة التي تنبع من عدم الانفاق) فتأمل.( ) ونحن إذ تمر علينا ايام حرب وجهاد ضد أعتى وحوش الارض من الذين  كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبيلا  ، فنحن بأمس الحاجة الى التكافل والتآلف الاجتماعي والمادي حتى يمكننا الله تعالى من الانتصار التام وتطهير الارض المقدسة من وبائِهِم.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

الانفاق جبهة من داخل الجهاد.. كي لا تهلكوا
Image 1
تاريخ النشر 2019-03-01

سرمد فاضل علي عندما نتدبّر آيات القرآن الكريم نجد أنه يوازن في جميع القضايا والأحكام التي تعرّض لها ويسلط عليها الضوء من الجوانب المحتملة جميعها، بحيث لا يدع ثغرات مفتوحة من دون أن يرسم لها حلولا. ومن تلك المسائل التي أولاها أهمية مسألة الجهاد في سبيل الله تعالى، فقد وجَّه الخطاب الالهي المسلمين الى العناية بجانبين، وربما يستحسن أن نسميهما جبهتان: الاولى من الخارج وهي مقارعة العدو ومنازلته بشكل مباشر، والثانية جبهة من الداخل وهي لا تقل أهمية عن الاولى؛ لأن عليها يقع تأمين الامداد المادي للمقاتلين وحوائج عوائلهم، فهذان جانبان مهمان أولاهما القرآن العناية البالغة فإذا ما اختل أحدهما فإنه يؤدي إلى الاخلالِ بالآخر حتماً. فعندما نأتي الى القرآن الكريم، ونتمعن الآية 195 من سورة البقرة، إذ قال تعالى (وَأَنْفِقُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ‏) نجد أن القرآن الكريم قد حثّ على الانفاق في سبيل الله تعالى، ومؤدى خلافه إلى القاء النفس في التهلكة. فهناك إرتباط معنوي بين جملة (وَأَنْفِقُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ) وقوله (وَلا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) بملاحظة أنّ عبارات الآيات القرآنية مترابطة ومتلازمة، والظّاهر أنّ الرّابطة بين هاتين العبارتين هو أنّكم لو لم تنفقوا في سبيل الله وفي مسار الجهاد فقد ألقيتم أنفسكم في التّهلكة.( ) والجدير بالذكر أن قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قد أصبح شعاراً للمتقاعسين الذين يريدون التهرّب من مسؤوليات العمل والتضحية( )، بل اتخذها بعضهم ذريعة للفرار من الجهاد في سبيل الله فتصوّر بعض الجهلاء من أنّ كلّ ألوان الجهاد الإبتدائي هو إلقاء النفس في التّهلكة وحتّى أنهم أحياناً يعدون قيام سيد الشهداء الإمام الحسين  في كربلاء مصداقًا لهذه الآية -والعياذ بالله- ، وهذا ناشىء من الجهل المطبق وعدم ادراك مفهوم الآية الشريفة، لأنّ إلقاء النفس بالتّهلكة يتعلّق بالموارد الّتي لا يكون فيها الهدف أثمن من النفس وإلاّ فلابدّ من التضحية بالنفس حفاظاً على ذلك الهدف المقدّس كما صنع الإمام الحسين وجميع الشهداء في سبيل الله كذلك.( ) ومفهوم الآية واضح وبيّن لمن تدبّر فيها، وليس العدول عن معناها إلا ضربًا من الفهم والتفسير الخاطئ وخروجاً عن الفهم الصحيح لآيات القرآن الكريم؛ لأن سياق الآيات الشريفة يدل على أنها نازلة دفعة واحدة، وقد سيق الكلام فيها لبيان غرض واحد وهو تشريع القتال لأول مرة مع مشركي مكة( ) ، قال تعالى (وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقينَ (194) وَ أَنْفِقُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ (195)) فالسياق القرآني يدل على أنها مترابطة في سياقها وهي تتحدث عن الجهاد. فإنّ الجهاد مثلما يحتاج الى الرجال المخلصين والمجرّبين كذلك بحاجة إلى المال والثروة أي بحاجة إلى الإستعداد البدني والمعنوي والمعدّات الحربيّة، صحيح أن العاملين والحاسمين في تقرير مصير الحرب هم الرجال بالدّرجة الاُولى، ولكنّ الجندي بحاجة إلى أدوات الحرب وهي (أعمّ من السلاح والأدوات ووسائل النقل والغذاء والوسائل الصحيّة) فإنّه بدونها لا يمكنه أن يفعل شيئاً.( ) وعلى الرغم أن كل مسلم مجاهد كان يجهز نفسه بعدة القتال، وزاد القتال، غير أن كثيراً من فقراء المسلمين الراغبين في الجهاد لم يكونوا يملكون ما يزودون به أنفسهم، ولا ما يتجهزون به من عدة الحرب، فكانوا يجيئون الى النبي  ويطلبون منه ان يجهزهم للحرب، فاذا لم يجد مايحملهم عليه  تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُون‏ ( )، كما حكى عنهم القرآن الكريم .( ) ثم أمر الله تعالى في آخر الآية محل البحث  وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنين‏  فهناك احتمالات عدّة في كلمات المفسّرين حول معنى الإحسان في الآية ، منها: أنّ المراد هو حسن الظن بالله (فلا تظنّوا أنّ إنفاقكم هذا يؤدي إلى الاختلال في معاشكم)، والآخر هو الاقتصاد والاعتدال في مسألة الإنفاق، وإحتمال ثالث مفاده دمج الإنفاق مع حسن الخلق للمحتاجين، بحيث يتزامن مع البشاشة وإظهار المحبّة و تجنّب أي لون من ألوان المنّة والأذى للشخص المحتاج، ولا مانع من أن يكون المراد في مفهوم الآية جميع هذه المعاني الثلاثة.( ) والحاصل أن القرآن يؤكد أن عدم الانفاق في سبيل الله يعني القاء النفس في التهلكة ذلك أن البخل يُسبب تضعضع الجبهة الداخلية للمؤمنين، وبالتالي انتصار الاعداء عليهم وإبادتهم مادياً ومعنوياً، ثم يطالب القرآن الأمة المؤمنة بالمزيد من البذل والعطاء حين يقول:  وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنين ( ) فالسياق هنا يؤكد أن المراد من التهلكة هنا هي ( التهلكة التي تنبع من عدم الانفاق) فتأمل.( ) ونحن إذ تمر علينا ايام حرب وجهاد ضد أعتى وحوش الارض من الذين  كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبيلا  ، فنحن بأمس الحاجة الى التكافل والتآلف الاجتماعي والمادي حتى يمكننا الله تعالى من الانتصار التام وتطهير الارض المقدسة من وبائِهِم.

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.