أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
أساليب التّضليل الإعلاميّ عند فرعون
أساليب التّضليل الإعلاميّ عند فرعون
الكاتب : الشيخ مرتضى الاسدي

تأريخ النشر : 2021-02-12 16:36:52

(الجزء الأوّل) يعد الإعلام صوت الحقيقة وصورة الواقع لذ فهو عادةً ما يُستغلُ لإيصال أفكارٍ مضللة وصورة مخالفة لها، فلا يكون حينئذ اعلاماً حراً مستقلاً يحقق الهدف الذي وجدَ لأجله، وانما يُمثّل اهداف الذين يوجهوهُ ويتحكمون به. ولكي نتعرّف على الاعلام المضلل لا بد ان نتعرّف على الوسائل التي يتخذها البعض لتضليل الرأي العام وتحريف الحقيقة لإيصال صورة مخالفة للواقع. وبالتدبر في كتاب الله، وتحديداً في قصة نبي الله موسى (عليه السلام) وعدو الله فرّعون سنجد أمثلة من الوسائل التي اتخذها فرعون لتضليل قومه في محاولة لصد موسى عن إيصال الحقيقة وهداية بني اسرائيل. كان فرعونُ يمثّل السلطة الوحيدة في مصر آنذاك، وكان مهيمناً على مقدرات البلّد وعلى الناس متحكماً في مصائرهم، حياتهم وموتهم، يستعبدهم كيف شاء ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾) )!، بل كان متحكماً بتفكير الناس باستعماله المغالطات والكذب والخداع حتى بلغ من طغيانه وغطرستهِ ان ينصّب نفسه الهاً لهم ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾) ). لقد سعى فرعونُ لتثبيت هذه الأفكار في عقول قومه لجعلها معتقدات راسخة لديهم، ومن ثم فإنّ أي اعتقاد يكون خلاف ذلك فهو شيء دخيل وخارج عن العقل والمنطق والحقيقة!، لان فرعون يعتقد أنّه على الحق وطريق الرشاد! ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾) )، فهذا كان مجتمع مصر مع أساليب فرعون في تضليل عامة الناس. إن الوسيلة التي اتبعها فرعون في جعل المجتمع آنذاك بهذه العقيدة هي وسيلةٌ إعلاميةٌ في الغالبِ، تمثّلت بنشر الجهل والأفكار المنحرفة الباطلة وصد دعاة الإصلاح والهدى واتهامهم بشتى التهم ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾) ) مقترنةً بأساليب التخويف والترهيب ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾) ). ولنا ان نتخيل كيف يكون موقف فرعون، لو ينازعه احدٌ سلطانَهُ والتأثيرَ على بنيّ إسرائيل ليغير عقيدتهم؟ سيستعمل فرعون أساليب ماكرةً ومضللة مع إرهاب وتعذيب أكبر! بعثَ الله تعالى موسى نبياً وارسله الى بني إسرائيل ليخلّصهم من ظلم فرعون وهيمنتِهِ وتحكُمَهُ بهم وتضليله اياهم بأساليبه الشيطانية، وما نلاحظهُ لو تتبعنا احداث القصة ان الحرب بين نبي الله موسى (عليه السلام) وفرعون كانت حرباً إعلامية، لم يكن فيها معارك وجيوش، بل كان كل منهما يقدم ما لديه من الأدلة والحجج ويحاول اقناع بني إسرائيل واستمالتهم لأحقيته وبطلان الآخر. استعمل فرعون فيها عدداً من الأساليب الشيطانية، ليخادع موسى وليضلل من حوله، ومن هذه الأساليب التي سنتناولها: المغالطة، تغيير الموضوع، الاتهام بالجنون، الاتهام بالسحر والاضرار بالبلاد، الإرهاب والتخويف، الاستهزاء والسخرية. الأسلوب الأوّل: المغالطة عندما امر الله موسى (عليه السلام) ان يذهب الى فرعون ليدعوه وقومه الى الله ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾) )، كان موسى (عليه السلام) متخوفاً، لأنه مدرك لسيناريو الأحداث القادمة على الرغم من أنه كان خائفاً منهم لأنه قتل احدهم، لكن اشد خوفه كان من الفشل في مواجهة مكر فرعون وخديعته فلا يكون قادراً على إقناع بني إسرائيل فيوقعه ذلك في حرج شديد، لذا ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ويَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾) ). طمأن الله نبيه أن فرعون لن يثبت أمام الآيات والمعجزات، وأن الله سبحانه حاضر معهم ومطلع على ما يجري ﴿قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾) ). ذهب موسى لمواجهة فرعون، ولما دخل عليه ابتدأ موسى بالتعريف عن نفسه وبيان المهمة التي جاء بها ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَـمِينَ* حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾) ). كان أول رد لفرعون هو تذكير موسى (عليه السلام) أنه عاش وتربى في قصره، وأن له نعمةً عليه ﴿قَالَ أَلَـمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾) ). هذه الكلمات من فرعون كانت مدروسةً وممزوجةً بالخبث والشيطنة، فهو يريد ان يبين للملأ: اننا ربينا موسى منذ صغره فكيف يكون نبياً! ونحن لم نر ذلك ولم نلاحظ؟ وبالتأكيد سيقر موسى (عليه السلام) أنه تربى في قصر فرعون ولبث معهم سنين، واراد فرعون أيضا ان يُشعر موسى أنه كفر بنعمته، فكيف تكون نبياً وهو كافر بنعمته؟ ولذلك قال فرعون: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾) )، وبهذا الاستدراج اراد أن يجعل موسى محكوماً على نفسه بالتهم الموجهة إليه وهذه مغالطة كبيرة من فرعون) )! تتمثل مغالطة فرعون باستعماله هذا الأسلوب بأن فيه أغراضاً عديدة، فهو تجاهل كلام موسى (عليه السلام) وأدار الحوار من كونه حواراً عن حقيقة الرسالة وحقيقة رب العالمين إلى نقطة أخرى، وهي مهاجمة شخصية موسى (عليه السلام) بغضّ النظر عما يقوله، فقصر النظر على القائل دون النظر الى ما قاله، وبذلك يكون قد ضلل من حوله بمحاولة الانتقاص من موسى (عليه السلام) والتقليل من شأنه وما جاء به، إذ كأنه يقول له: نحن نعرفك جيداً، لقد عشت معنا ولست بجديد علينا! وهناك غرض آخر لفرعون، إنه أراد أن يحرّك مشاعر موسى (عليه السلام) ليثنيه عما جاء به ويذكره: إن لي فضلاً عليك، تذكر ذلك الفضل وارجع عن كلامك! والمغالطة الأكبر تتمثل في ترتيب النتائج على مقدمات باطلة وغير صحيحة، إذ إن موسى لم يتربَّ عند فرعون برغبته بل غصباً! لذلك رأى موسى (عليه السلام) ضرورة ان يرد على فرعون، الذي يمن عليه في أنه رباه وتعهده منذ طفولته وصباه، فرد عليه معترضاً بلحن قاطع ومستغرباً من مغالطته، فقال: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾) )!؟ فظلمُك كان سبباً لأن تضعني أمي في الصندوق حفاظاً عليّ، وتلقيني في أمواج النيل، وكانت مشيئة الله أن تسوقني الأمواج حتى توصلني إلى قصرك، ان ظلمك هو الذي جعلني رهين منتك وحرمني من بيت أبي الكريم، وصيرني في قصرك الملوث) ). وسنُكمل في مقالات قادمة -إن شاء الله- بقية أساليب التضليل الإعلامي عند فرعون.
تعليقات القرآء (1 تعليق)
حيدر علي
2024/09/01
احسنت استاذ مرتضى هذا مايحصل في الواقع

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

أساليب التّضليل الإعلاميّ عند فرعون
Image 1
تاريخ النشر 2021-02-12

(الجزء الأوّل) يعد الإعلام صوت الحقيقة وصورة الواقع لذ فهو عادةً ما يُستغلُ لإيصال أفكارٍ مضللة وصورة مخالفة لها، فلا يكون حينئذ اعلاماً حراً مستقلاً يحقق الهدف الذي وجدَ لأجله، وانما يُمثّل اهداف الذين يوجهوهُ ويتحكمون به. ولكي نتعرّف على الاعلام المضلل لا بد ان نتعرّف على الوسائل التي يتخذها البعض لتضليل الرأي العام وتحريف الحقيقة لإيصال صورة مخالفة للواقع. وبالتدبر في كتاب الله، وتحديداً في قصة نبي الله موسى (عليه السلام) وعدو الله فرّعون سنجد أمثلة من الوسائل التي اتخذها فرعون لتضليل قومه في محاولة لصد موسى عن إيصال الحقيقة وهداية بني اسرائيل. كان فرعونُ يمثّل السلطة الوحيدة في مصر آنذاك، وكان مهيمناً على مقدرات البلّد وعلى الناس متحكماً في مصائرهم، حياتهم وموتهم، يستعبدهم كيف شاء ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾) )!، بل كان متحكماً بتفكير الناس باستعماله المغالطات والكذب والخداع حتى بلغ من طغيانه وغطرستهِ ان ينصّب نفسه الهاً لهم ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾) ). لقد سعى فرعونُ لتثبيت هذه الأفكار في عقول قومه لجعلها معتقدات راسخة لديهم، ومن ثم فإنّ أي اعتقاد يكون خلاف ذلك فهو شيء دخيل وخارج عن العقل والمنطق والحقيقة!، لان فرعون يعتقد أنّه على الحق وطريق الرشاد! ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾) )، فهذا كان مجتمع مصر مع أساليب فرعون في تضليل عامة الناس. إن الوسيلة التي اتبعها فرعون في جعل المجتمع آنذاك بهذه العقيدة هي وسيلةٌ إعلاميةٌ في الغالبِ، تمثّلت بنشر الجهل والأفكار المنحرفة الباطلة وصد دعاة الإصلاح والهدى واتهامهم بشتى التهم ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾) ) مقترنةً بأساليب التخويف والترهيب ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾) ). ولنا ان نتخيل كيف يكون موقف فرعون، لو ينازعه احدٌ سلطانَهُ والتأثيرَ على بنيّ إسرائيل ليغير عقيدتهم؟ سيستعمل فرعون أساليب ماكرةً ومضللة مع إرهاب وتعذيب أكبر! بعثَ الله تعالى موسى نبياً وارسله الى بني إسرائيل ليخلّصهم من ظلم فرعون وهيمنتِهِ وتحكُمَهُ بهم وتضليله اياهم بأساليبه الشيطانية، وما نلاحظهُ لو تتبعنا احداث القصة ان الحرب بين نبي الله موسى (عليه السلام) وفرعون كانت حرباً إعلامية، لم يكن فيها معارك وجيوش، بل كان كل منهما يقدم ما لديه من الأدلة والحجج ويحاول اقناع بني إسرائيل واستمالتهم لأحقيته وبطلان الآخر. استعمل فرعون فيها عدداً من الأساليب الشيطانية، ليخادع موسى وليضلل من حوله، ومن هذه الأساليب التي سنتناولها: المغالطة، تغيير الموضوع، الاتهام بالجنون، الاتهام بالسحر والاضرار بالبلاد، الإرهاب والتخويف، الاستهزاء والسخرية. الأسلوب الأوّل: المغالطة عندما امر الله موسى (عليه السلام) ان يذهب الى فرعون ليدعوه وقومه الى الله ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾) )، كان موسى (عليه السلام) متخوفاً، لأنه مدرك لسيناريو الأحداث القادمة على الرغم من أنه كان خائفاً منهم لأنه قتل احدهم، لكن اشد خوفه كان من الفشل في مواجهة مكر فرعون وخديعته فلا يكون قادراً على إقناع بني إسرائيل فيوقعه ذلك في حرج شديد، لذا ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ويَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾) ). طمأن الله نبيه أن فرعون لن يثبت أمام الآيات والمعجزات، وأن الله سبحانه حاضر معهم ومطلع على ما يجري ﴿قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾) ). ذهب موسى لمواجهة فرعون، ولما دخل عليه ابتدأ موسى بالتعريف عن نفسه وبيان المهمة التي جاء بها ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَـمِينَ* حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾) ). كان أول رد لفرعون هو تذكير موسى (عليه السلام) أنه عاش وتربى في قصره، وأن له نعمةً عليه ﴿قَالَ أَلَـمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾) ). هذه الكلمات من فرعون كانت مدروسةً وممزوجةً بالخبث والشيطنة، فهو يريد ان يبين للملأ: اننا ربينا موسى منذ صغره فكيف يكون نبياً! ونحن لم نر ذلك ولم نلاحظ؟ وبالتأكيد سيقر موسى (عليه السلام) أنه تربى في قصر فرعون ولبث معهم سنين، واراد فرعون أيضا ان يُشعر موسى أنه كفر بنعمته، فكيف تكون نبياً وهو كافر بنعمته؟ ولذلك قال فرعون: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾) )، وبهذا الاستدراج اراد أن يجعل موسى محكوماً على نفسه بالتهم الموجهة إليه وهذه مغالطة كبيرة من فرعون) )! تتمثل مغالطة فرعون باستعماله هذا الأسلوب بأن فيه أغراضاً عديدة، فهو تجاهل كلام موسى (عليه السلام) وأدار الحوار من كونه حواراً عن حقيقة الرسالة وحقيقة رب العالمين إلى نقطة أخرى، وهي مهاجمة شخصية موسى (عليه السلام) بغضّ النظر عما يقوله، فقصر النظر على القائل دون النظر الى ما قاله، وبذلك يكون قد ضلل من حوله بمحاولة الانتقاص من موسى (عليه السلام) والتقليل من شأنه وما جاء به، إذ كأنه يقول له: نحن نعرفك جيداً، لقد عشت معنا ولست بجديد علينا! وهناك غرض آخر لفرعون، إنه أراد أن يحرّك مشاعر موسى (عليه السلام) ليثنيه عما جاء به ويذكره: إن لي فضلاً عليك، تذكر ذلك الفضل وارجع عن كلامك! والمغالطة الأكبر تتمثل في ترتيب النتائج على مقدمات باطلة وغير صحيحة، إذ إن موسى لم يتربَّ عند فرعون برغبته بل غصباً! لذلك رأى موسى (عليه السلام) ضرورة ان يرد على فرعون، الذي يمن عليه في أنه رباه وتعهده منذ طفولته وصباه، فرد عليه معترضاً بلحن قاطع ومستغرباً من مغالطته، فقال: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾) )!؟ فظلمُك كان سبباً لأن تضعني أمي في الصندوق حفاظاً عليّ، وتلقيني في أمواج النيل، وكانت مشيئة الله أن تسوقني الأمواج حتى توصلني إلى قصرك، ان ظلمك هو الذي جعلني رهين منتك وحرمني من بيت أبي الكريم، وصيرني في قصرك الملوث) ). وسنُكمل في مقالات قادمة -إن شاء الله- بقية أساليب التضليل الإعلامي عند فرعون.

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.