أنت في الصفحة : مقالات
تأريخ النشر : 2021-02-12 16:50:03
أنت في الصفحة : مقالات
جاري التحميل ...
يخطئ كثير من الناس حين يربطون بين مفهومي العدل والمساواة خصوصا فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، ولعل منشأ هذا الفهم لترادف اللفظين في استعمالاتهما في حالين متقاربين، ولتوضيح الفرق بين المفهومين لا بد أولا من النظر الى معنى اللفظين لغويا قبل معرفتهما اصطلاحيا تمهيدا الى عرضهما على القرآن واستعمالهما في نصوص الشريعة المقدسة. يعرف العَدْلُ بأنه المثل والنظير وجمعه أعدالٌ وعدول وهو نصف الحمل يكون على أحد جنبي البعير، وعدَلَ عَدْلاً وَعُدُولاً وعَدَالَة، ومَعْدِلَة، فهو عادِل، وعدَل بين المتخاصمين: أنصف بينهما وتجنَّب الظُّلْمَ والجَوْرَ، وأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ويأتي أحيانا بمعنى التسوية. وتأتي عَدَلَ بمعنى مالَ، فنقول عَدَلَ عن الطريق، أو عَدَلَ عن رأيه، بمعنى مالَ عنه، فتكون هذه الكلمة محتملة للأضداد فتأتي مرة للاستقامة ومرة للميل. والعدل اصطلاحاً هو استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير، وهذا المعنى هو الاقرب للاستعمال القرآني. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) {البقرة/282}، (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) {النساء/58} وفي هاتين الآيتين بيان للمعنى الاصطلاحي للعدل وهو انصاف الناس واعطاء كل ذي حق حقه، وهو بعيد عن معنى المساواة، ويتبادر الى الذهن وقد يكون شائعا في عرف الناس عند الزواج بأكثر من امرأة إن على الزوج أن يساوي بين نسائه في كل شيء وهو مفهوم خاطئ عملياً إذ إن احتياجات كل واحدة من الزوجات مختلفة عن الأخرى من حيث متطلباتها وعدد ابنائها وحاجاتها الاخرى كأن تكون احداهن مريضة او لها احتياجات خاصة وهنا لا تصلح المساواة في التعامل مع الزوجات بل يصلح العدل وهو ما اشارت اليه الآية الكريمة: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) {النساء/3} ، فاشترط سبحانه وتعالى للزواج بثانية وثالثة ورابعة وجود العدل فإن لم يتحقق فيبقى الرجل على زوجة واحدة، وهناك شبهة ترد في هذا الموضع حيث يقال إن الله تعالى اخبر انه لا يمكن للرجل أن يعدل ويستشهد بقوله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) {النساء/129} وهذه الشبهة مردودة في الآية نفسها؛ إذ إن العدل المقصود في هذه الآية هو الميل القلبي والعاطفي الذي لا يمكن للإنسان أن يتحكم به، ومع ذلك ومع فرض وجود الميل، يوصي الله تعالى بأن لا يميل الانسان كل الميل بإظهاره لمشاعره تجاه واحدة واهماله الأخرى أو الاخريات، اذ وجود التوصية بهذا الصدد دليل على وجود العدل بشكله الآخر وهو المطلوب في حال تعدد الزوجات، فالوصية في هذه الآية لا تنفي حكم الآية الانفة الذكر. أما المساواة فهي معنى قد يشترك في لفظة العدل في مواضع ويختلف عنه في مواضع اخرى، وهو تساوي الامرين أو تساوي جهتين في امر أو حكم واحد أو هو اعطاء الناس بالتساوي، أو هو التكليف بالتساوي بين كل الناس، وقد ورد مفهوم التساوي في بعض الروايات الشريفة لكونه لم يرد في القرآن الكريم بمعناه الاصطلاحي، لكن السنة الشريفة ابرزت هذا المفهوم في الاشارة الى ان الناس متساوون بأصل الخلقة ومتساوون بالتكليف بشكل مجمل لكن هذا الاجمال يخرج منه استثناءات كمثل التكليف بالصوم لمن يقدر ولا يضره الصوم والتكليف بالحج لمن استطاع اليه سبيلا واعطاء حق الارث للأنثى بما يساوي نصف حق الرجل، وغيرها الكثير من الاستثناءات، وعلى رغم تساوي الناس في اصولهم يبقى هناك فارق جوهري هو التقوى حيث يقول الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله): " لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى " رواه أحمد وغيره. فالمدار في العمل والقرب من الله تعالى ورسوله ليس في العنصر واللون واللغة والجنس وغيرها بل في التقوى. وقد جاهدت البشرية بمختلف لغاتها وجنسياتها للحصول على حق المساواة المدنية وقننوا لذلك القوانين وصارت دساتيرا عالمية تنتهجها معظم شعوب الارض، الا أن البشرية لا زالت تفتقد عنصر الامان، وهي مهددة دائما في الاخلال بحق المساواة وتضييع الحقوق المدنية للإنسان، وهذا ما نشاهده بين مدة واخرى في ارقى مدنيات الارض، وهو ما يدل ان نظرية المساواة تحتاج الى تعديل بما يتلاءم مع دستور السماء الذي يعطي لكل ذي حق حقه، قال تعالى: ( من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). ومما تقدم نلمس الفارق الكبير بين مفهوم العدل ومفهوم المساواة مع ملاحظة إن للعدل في القرآن الكريم معانٍ اخرى غير التي ذكرناها نسأل تعالى أن يوفقنا للوقوف عندها والاستضاءة بهديها، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...