أنت في الصفحة : مقالات
تأريخ النشر : 2021-07-06 13:34:53
أنت في الصفحة : مقالات
جاري التحميل ...
يعد القرآن احد الروافد السخية الخصبة التي تمد الشاعر بما يحتاج اليه من صور وتراكيب بما يزخر به هذا الرافد من عطاء وثراء، فتوظيفه في الشعر يجعل ساحة الرمز واسعة الافاق؛ لأنّ طاقته الإيحائية كثيفة الدلالات، وكثير ما استدعى الغزي النص القرآني واضفى عليه جانبا رمزيا ودلالات مؤثرة تتفق مع رؤيته وتشكيله الشعري، من ذلك: كهيعص كاف الكروب بلائه ...تَتَكَربَلُ وببائهِ...أمُّ الكتابِ تُبسملُ وبنونهِ ...هاءُ الهلاكِ تمرَّسَت أَدنى الذي فعلتهُ ... ما لا يُفعلُ وثلاثُ ياءاتٍ... يزيدُ يَخطُّها بالموبقاتِ: يبيحُ، يهدمُ، يقتلُ عطَشاً... فثغرُ الله تنكتُهُ العصا وعيونُ آل الله منها تُسملُ صبراً... ولا صبرَ الحسين مُشابهاً منهُ التصبُّرُ ماتَ...ما يتحمَّلُ جسداً تُبضِّعُهُ السيوفُ... فتُرفَعُ الأيدي... عسى قُربانها يُتقبَّلُ إن أول وقفة مع النص تبدأ بعنوانه (كهيعص) كونه العلامة الدالة التي تبحث عن القراءة التأويلية عبر ممارستها لسلطة الاغراء والايحاء داخل بنية النص، فالعنوان" يختزل نصوصاً كبيرة عبر التكثيف والايحاء والتوظيف"، إذ العنوان تناص من سورة مريم التي تبدأ بـ ((كهيعص))، وقد يخاله القارئ منفصلاً عن النص الشعري ، فيما هو متصل به أشد الاتصال معبراً تعبيرا تفصيليا عن فاجعة الامام الحسين (عليه السلام) ، إذ كل حرف فيه يحمل دلالة خاصة ذات رؤية واسعة، جعلت الشاعر يختزلها بحرف واحد ، فـ (كاف) حمل اشارتين الأولى دلالة على الكروب والمصائب والبلاء التي صارت على اهل البيت (عليهم السلام) والأخرى اشارة الى كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد ، والعين عطش الحسين (عليه السلام) ، والصاد صبرهُ ، وهذا ما أوحى اليه النص الشعري الذي ينم عن ذكاء وفطنة الشاعر في توظيفه تلك الحروف بنصه الشعري وبدلالة معناها . وأما العنوان (داخلاً من باب حطة) فقد اقتبسه شاكر الغزي من قوله تعالى: (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) ، التي جعلها تصديرةً لنصه الشعري، وهناك مأثور للنبي (ص) يقول: (مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة من دخله نجا) فشبه الشاعر من خلال نصه دخول الزائر من باب ضريح الحسين كالدخول من باب حطة، لأنّ زائر الحسين تغفر له ذنوبه فزائر الحسين يعادل داخل باب حطة ، وما النص إلا دعوة لزيارة الحسين إذ يقول: زُرْ قَبْرَهُ وتَمَسَّحْ بالبابِ لا تَتَخَطَّهْ زُرْ قَبْرَهُ وادْخُلِ البابَ ساجِداً قُلْ: حِطَّةْ ينتمي الشاعر إلى مجمل الظروف المعاصرة في مجتمعه، فيحشد كل التفاصيل المرئية وغير المرئية، والمسموعة والمقروءة، ويضيف إليها تفصيلات اخرى لا توجد على ارض الواقع عبر ما تتلوه عليه مخيلته ليفتعل فكرة لا تخلو من مضمون الحياة، هذا يحسس الشاعر بغير قليل من الغربة النفسية وهو بين أهله وفي ارض الحدث ، فيأخذه الشرود الذهني لمحاورة ما يتخيل نزوله ، ففي قوله : وحيٌ ...يُلُحُّ عليَّ أن أًتنبأَ: اقرَأ...! فأًحمدُ ليسَ آخرَ من رأى اقرأ... وربكَ زارعُ اللاءاتِ رَفضاً علَّمَ الانسانَ أَن يتجَرَّأً فقرأتُ أًسفارَ العذابِ وكلَّ ما أَلقى برُوعيَ من أَسايَ، وأَملأَ وأفاضَ في قلبي فيوضات الهوى حزناً نبيَّاً ثم مُبتعداً ...نأَى يكشف لنا مكنون النص محاورة اساسها الاقتباس المعنوي من سورة العلق حيث الأمر الإلهي بـ ((أقرأ))، فالشاعر يفترض ان ما أنزل إليه هو وحي يكلمه يأمره أن يقرأ ما يرتله عليه ثم تكون الاستجابة بـ (فقرأتُ أًسفارَ العذابِ)، ثم يتلو قراءاته النابعة من خلجات مأساته التي تأثر بمأساة الحسين في كربلاء عبر ارتباط المقطع الاول بما بعده : ما زالَ تَنعتُهُ السماءُ بثأرها ولأخذِه ادَّخَرَت ظُبىً لن تَصدأَ مازالَ يغتسُلُ الفراتُ بدَمعهِ والأُفقُ من دَمِهِ الأَبيِّ توضَّأَ مازالَ حضناً دافئاً لِمُشرَّدٍ ذُبحَ الأمانُ بمقلتيهِ وملجأَ مازال لي مذُ تُهتُ في بحرِ الغِوايةِ زورقاً خاضَ العُبابَ ومَرفأَ فالغزي لم يكتفِ في استذكار الثورة لينعاها بل أنه وظفها رمزاً لينعي بها نفسه لشدة وقعها في النفوس، اذ غدت جراح الحسين رمزاً لمن أراد أن يصف آهاته وجراحاته، فهي للشعراء رمزا للجراحات كلها في العالم، واتخذ من النص القرآني معينا له وأكثر تأثيرا وتأكيدا في نفس القارئ.
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...