أنت في الصفحة : مقالات
تأريخ النشر : 2018-08-29 08:45:53
أنت في الصفحة : مقالات
جاري التحميل ...
الصدق معيار الصلاح كرار محسن الصّدق في اللغة هو نقيض الكذب تماماً، صَدَقْتُ القوم. أي: قلت لهم صِدْقًا. اما اصطلاحا فهو يعني الوفاء لله بالعمل في السر والعلانية وكأنك ترى الله يراقب اعمالك وافعالك . وقيل إنه القول بالحق في مواطن الهلكة أي انك تصدق في مواضع خطيرة وحرجة لا ينجيك فيها سوى الله تعالى فهو المُنجي الوحيد لا سيما اذا كان العبد قد اسلم وجهه اليه وصدقه قلبا وقالبا وفي السر والعلن خشية منه وحبًّا به وشوقا الى رضوانه وطمعا في جنته عسى ان ينالوا من خيراتها الوفيرة التي لا حدود تحدها ولا امد لها وذلك هو الفوز العظيم، وحين دعا نبينا الكريم محمد ربه بقوله رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ فهو يتوسّل الى الله تعالى ان يدخله الى يومه واسبوعه وشهره بصدق ويخرجه منها بصدق أي اخرج من حياتي بصدق وكذلك ادخل الى قبري بصدق ولكن للأسف الشديد أن من نلاحظه في زماننا هذا من أشياء عجيبة وأمور لا تصدق وهو غياب الصدق بل يكاد ان يكون عملة نادرة وشيء ثمين في زمن غابت عنه العديد من صفات الفضيلة وسماتها. ولابد ان تتوفر عدة عوامل حتى يمكننا أن نقول إنّ الصدق قد تحقق وهو أن يطابق الصدق الفكر للسلوك والقول وأن يبدأ الصدق مع الربّ أولا ومع النفس ثانياً ومن ثم مع الآخرين أي المجتمع الذي يعيش فيه ويتعايش معه ثالثا فيصدق الانسان مع ربِّه حين يؤدي الاعمال العبادية بكل شروطها من دون زيادة أو نقصان من دون رياء وأن لا يُصاب بالعُجب بل يخلص نيته لربّه فقط وليس لأيّ اعتبار آخر، أما الصدق مع النفس فيكون من خلال جعلها -دائما- تسير نحو الطريق الصحيح والقويم وعدم تركها تسير على وفق ما يحلو لها لأن النفس أمّارة بالسوء إلا ما رحم ربّي وبذلك قد سار بها نحو الصراط المستقيم أما الصدق مع الآخرين فيأتي من خلال الصراحة والصدق في القول والفعل والمصداقية في التعامل . وكذلك الدعاء بالصدق يحتوي على جميع الامور التي ذكرت وهو مما لاشك فيه أنه من اعظم الادعية لأنه يمثل الصدق في اعلى درجاته واوضح تجلياته وبذلك يكون قريبا من الجنة فعلى سبيل المثال نسرد باختصار ما حصل لذلك التائب الذي آمن بالله تعالى ورسوله الكريم محمد لكنه يصعب عليه ان يتخلّص من الصفات السيئة التي ترسخت في ذهنه من زمن الجاهلية فأشترط عليه النبي ان لا يكذب وحين خلا بنفسه مع وساوس الشيطان والعياذ بالله اراد ان يحتسي الخمر ولكن منعه من القيام بهذا الفعل المشين شرطه الذي شرطه الرسول لأنه لو جاء وسألوه عن رائحة فمه الكريهة فماذا سيقول لابد أن يذكر الحقيقة مما يعني جلده وتوبيخه على فعلته هذه وكذلك الحال مع سائر المنكرات الاخرى وبالنتيجة وبفضل الله تعالى تطهّر هذا الشخص من جميع الرذائل من خلال التزامه بالصدق لان الكذب هو مفتاح الرذائل يقول تعالى في كتابه العزيز :يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (المائدة-119). فالصدق هو عنوان الإيمان ورأسه وعماد الاسلام وحال الانسانية ولباس النبل وهو مرجع جميع الفضائل وهو غاية الكمالات ومن هنا لابد للصدق أن يكون معياراً لمعرفة فساد المرء او صلاحه وبهذا الصدد يقول الامام جعفر الصادق "لَا تَغْتَرُّوا بِصَلَاتِهِمْ وَلَا بِصِيَامِهِمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا لَهِجَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ اسْتَوْحَشَ وَلَكِنِ اخْتَبِرُوهُمْ عِنْدَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَة". وفي واقع الامر أن سرَّ النجاح ومفتاحه في الانتصار على الذات، وهذا هو طريق الانبياء والاولياء والصالحين والعلماء والربانيين إذ إنهم ينأون بأنفسهم عن كلِّ غش وحيل في أفكارهم وأقوالهم وأعمالهم . وأن ما نشهده اليوم من مصائب وبلايا عصفت بالمجتمعات والشعوب إنْ هي إلّا نتاج طبيعي لتلك الانحرافات لانهم في اغلب الاحيان يكون اساس عملهم قائمًا على الكذب والمكر والتحايل او قد يدخلون الى عمل ما بنية صادقة ولكنهم وبفعل الشيطان لا يستمرون على نهجهم الصادق حتى نهاية المطاف مما يسبب فشلاً وهزيمة لذلك كان الدعاء اخرجني مخرج صدق أي اتمام المسيرة على نحو الصدق. فلابد للإنسان اذا ما كان يبغي النجاح وسعادة الدارين أن يتخذ من الصدق منهجاً وكما يقول سيّد البلغاء والمتكلمين الامام علي (النّجاةُ في الصِّدْق) فلو عاد الانسان الى نفسه وسألها عن سبب النجاحات الحقيقية التي وصل اليها لوجد الجواب هو الصدق فبالصدق يعتلي المرء اسمى المقامات ولذلك يدعو المؤمنون الله ان يُدخلهم في جميع امورهم بصدق حتى تكون العاقبة: جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...