أنت في الصفحة : بحوث
تأريخ النشر : 2019-03-01 17:23:48
أنت في الصفحة : بحوث
جاري التحميل ...
سرمد فاضل علي الصفار قال تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُور [الشورى: 23]. تقدم في مقالٍ سابق بأن مودة ذوي القربى ليست أجراً للرسالة - بحسب الرأي المختار- ، وعليه فإن الطلب في قوله تعالى (( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)) لم يكن طلباً حقيقياً للأجر، وإنما كان الكلام بداعي حثّ الامة على مودة ذوي القربى. وفي هذا المقال نسعى إلى بيان المراد الحقيقي لذي القربى؛ إذ نجد أن هناك بحوثًا متعددة وتفاسيرًا مختلفة للمفسّرين في تفسير هذه الآية، بحيث إذا ما نظرنا إليها من دون أي موقف مسبق نرى أنّها ابتعدت عن المفهوم الأصلي للآية بسبب الدوافع المختلفة، وذكروا احتمالات لا تتلاءم مع محتوى الآية، ولا مع سبب نزولها، ولا مع سائر القرائن التأريخية والروائية. وقد ذكر العلامة الطباطبائي ستة اقوال لمعنى المودة في القربى، لعل اهمها اربعة هي: القول الاول: هو ان معنى القربى هو التقرّب إلى الله، و المودة في القربى هي التودد إليه تعالى بالطاعة والتقرب، فالمعنى: لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تتوددوا إليه تعالى بالتقرب إليه، وذهب الى هذا الرأي الحسن البصري والجبائي وأبو مسلم. و فيه: أن في قوله: «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» على هذا المعنى إبهاما لا يصلح أن يُخاطب به المشركون فإن حاق مدلوله التودد إليه - أو وده تعالى- بالتقرب إليه و المشركون لا ينكرون ذلك بل يرون ما هم عليه من عبادة الآلهة توددا إليه بالتقرب منه فهم القائلون على ما يحكيه القرآن عنهم: «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» [الزمر: 3] ، «هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ» [يونس: 18] . فسؤال التودد إلى الله بالتقرب إليه من غير تقييد الكلام بعبادته وحده سبحانه، مما لا يرتضيه الذوق السليم. القول الثاني: ان المراد بالمودة في القربى هي مودة الأقرباء، و الخطاب لقريش أو لعامة الناس والمعنى: لا أسألكم على دعائي أجرا إلا أن تودوا أقرباءكم. و فيه: أن مودة الأقرباء على إطلاقهم ليست مما يندب إليه في الإسلام قال تعالى: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» [المجادلة: 22] ، وسياق هذه الآية لا يلائم كونها مخصصة أو مقيدة لعموم قوله: «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» أو إطلاقه، حتى تكون المودة للأقرباء المؤمنين هي أجر الرسالة على أن هذه المودة الخاصة لا تُلائم خطاب قريش أو الناس عامة. بل الذي يفيده سياق الآية أن الذي يندب إليه الإسلام هو الحب في الله من غير أن يكون للقرابة خصوصية في ذلك، نعم هناك عناية شديدة بأمر القرابة والرحم لكنه بعنوان صلة الرحم وإيتاء المال، على حبه ذوي القربى لا بعنوان مودة القربى فلا حب إلا لله عز اسمه. القول الثالث: ونسب هذا القول الى الجمهور، بأن الخطاب لقريش والأجر المسؤول هو مودتهم للنبي ؛ لقرابته منهم و ذلك لأنهم كانوا يكذبونه ويبغضونه لتعرضه لآلهتهم على ما في بعض الأخبار. فالمقصود أن أجري هو أن تحفظوا قرابتي منكم، و لا تؤذونني، لأني أرتبط برابطة القرابة مع أكثر قبائلكم ( لأن الرّسول كان يرتبط بقبائل قريش نسبيا، و بالقبائل الأخرى سببيا -عن طرق الزواج- ، وعن طريق أمه ببعض أهالي المدينة من قبيلة بني النجار، وعن طريق مرضعته بقبيلة بني سعد). و فيه: أن معنى الأجر إنما يتم إذا قوبل به عمل يمتلكه معطي الأجر فيعطي العامل ما يعادل ما امتلكه من مال ونحوه، فسؤال الأجر من قريش وهم كانوا مكذبين له كافرين بدعوته إنما كان يصح على تقدير إيمانهم به لأنهم على تقدير تكذيبه والكفر بدعوته لم يأخذوا منه شيئا حتى يقابلوه بالأجر، وكذلك على تقدير الإيمان به - والنبوة أحد الأصول الثلاثة في الدين- لا يتصور بغض حتى تجعل المودة أجرا للرسالة و يسأل. وبالجملة لا تحقق لمعنى الأجر على تقدير كفر المسؤولين، كما لا تحقق لمعنى البغض على تقدير إيمانهم حتى يسألوا المودة. القول الرابع : وهو الرأي المختار بأن المراد من المودة في القربى، هي مودة قرابة النبي و هم عترته من أهل بيته و قد وردت به روايات من طرق أهل السنة و تكاثرت الأخبار من طرق الشيعة على تفسير الآية بمودتهم وموالاتهم، ويؤيده الأخبار المتواترة من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت ومحبتهم. منها عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُكَيْمٍ [عَنْ حَكِيمِ] بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قَالَ هِيَ قَرَابَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ مُحَمَّدٍ . [تفسير فرات الكوفي : ص391 ]. ومن طريق العامة عن ابن عباس، قال: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي و فاطمة و أبناءهما » [الكشف والبيان، الثعلبي: 8 / 310] و منها ايضاً عن عليّ رضي اللّه عنه قال: (قال فينا، في آل محمّد، في حم آية لا يحفظ مودّتنا إلّا كلّ مؤمن، ثمّ قرأ: ((قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)) [ التفسير الكبير، الطبراني: 5/ 449] إن التأمل الكافي في الروايات المتواترة الواردة من طرق الفريقين عن النبي المتضمنة لإرجاع الناس في فهم كتاب الله بما فيه من أصول معارف الدين و فروعها وبيان حقائقه إلى أهل البيت كحديث الثقلين وحديث السفينة وغيرهما لا يدع ريبا في أن إيجاب مودتهم و جعلها أجرا للرسالة إنما كان ذريعة إلى إرجاع الناس إليهم فيما كان لهم من المرجعية العلمية.
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...