أنت في الصفحة : بحوث

بحوث
القرآن الكريم دليلًا نقديًا في كتاب البيان والتبيين للجاحظ (ت 255هـ)
القرآن الكريم دليلًا نقديًا في كتاب البيان والتبيين للجاحظ (ت 255هـ)
الباحث : م.م ضحى ثامر الجبوري

تأريخ النشر : 2020-09-15 15:48:17

القرآن الكريم دليلًا نقديًا في كتاب البيان والتبيين للجاحظ (ت 255هـ) الكاتبة : م.م ضحى ثامر يعد القرآن الكريم أعلى درجات الفصاحة وخير ممثل للغة العربية، وكل شيء يثبت بالدليل القرآني لا يقبل التخطئة، إذ قال الراغب الاصفهاني(الفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وإليها مفزع الشعراء والبلغاء وما عداها قشور) ، ولهذا الخطاب مناسبته بعد أن اصبحت اللغة العربية لغة يصعب فهمها؛ نتيجة انحراف كلام العرب عن قواعد النحو والصرف، فكثر فيها اللّحن والخطأ بعد دخول الأمم الأخرى في اعتناق الإسلام وتأثر كلٌ بالآخر، لذا نال الحظوة العالية من العناية والضبط والدقة في الأداء من زمن الرسول (ص) ومن بعده أصحابه (ع) وصار دليلا لغويا يرجع إليه في اثبات القضايا اللغوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ فهو منظومة ثقافية، وفي كتاب البيان والتبيين للكاتب ابي عثمان بن عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ مجموعة من القضايا النقدية التي تخص الأديب، وهذه الطروحات النقدية لم تتأتَ من العدم أو هي اجتهادات شخصية ، بل مستمدة ومعتمدة على كتاب اللغة والبلاغة والفصاحة الأول (القرآن الكريم)، فهو دليل في صحة أو عدم صحة بعض الالفاظ والمعاني التي يبثها الأديب في طروحاته، من ذلك ما أورده من خبر بشأن فصاحة أهل البصرة وأهل مكة ويثبتها بالدليل القرآني: ( حدثني أبو سعيد عبد الكريم بن روح قال: قال: أهل مكة لمحمد بن المناذر الشاعر ليست لكم معاشر أهل البصرة لغة فصيحة انما الفصاحة لنا أهل مكة فقال : ابن المناذر أما ألفاظنا فأحكى الالفاظ للقرآن وأكثرها له موافقة فضعوا القرآن بعد هذا حيث شئتم أنتم تسمون القدر برمة وتجمعون البرمة على برام ونحن نقول قدر ونجمعها على قدور وقال الله عز وجل " :وجفانٍ كالجوابِ وقدورٍ راسياتٍ" وانتم تسمون البيت اذا كان فوق البيت علية وتجمعون هذا الاسم على علالي ونحن نسميه غرفة ونجمعها على غرفات وغرف وقال الله تبارك وتعالى: "غرف من فوقها غرف مبنية" وقال: " وهم في الغرفات آمنون" وانتم تسمون الطلع الكافور والاغريض ونحن نسميه الطلع وقال الله عز وجل : " ونخل طلعها هضيم" ) ومن القضايا النقدية الأُخر التي عرضها الجاحظ هي ذكره لما ينبغي أن يبتعد الشاعر عنه مثل بعض المعاني التي لا تتناسب مع الخلق الإنساني والحقيقة القرآنية التي ورد ذمها في القرآن الكريم، فقد استدل الجاحظ على عدم صحة الأشعار التي تنسب إلى الأمم البائدة مثل عاد وثمود إلى قوله تعالى : " وثمود فما أبقى" ثم قوله : " فهل ترى لهم باقية" إذ يعلق الجاحظ على تلك الاشعار المنسوبة بقوله : ( أنا اعجب من مسلم يصدق بالقرآن ويزعم أن في قبائل العرب من بقايا ثمود وكان أبو عبيده يتأول قوله وثمود فما أبقى أن ذلك إنما وقع على الأكثر وعلى الجمهور الأكبر وهذا التأويل أخرجه من ابي عبيدة سوء الرأي في القوم وليس له أن يجيء إلى خبر عام مرسل غير مقيد وخبر مطلق غير مستثنى منه فيجعله خاصا كالمستثنى منه وأي شيء بقي لطاعن أو متأول بعد قوله فهل ترى لهم باقية فكيف يقول ذلك إذا كنا نحن قد نرى منهم في كل حي باقية معاذ الله من ذلك ) . ولعل الجاحظ أراد أن يشير إلى أن من المستحسن عدم مخالفة القرآن الكريم فيما إذا اراد الأديب أن يوظف بعضا من المعاني القرآنية في نصه الأدبي ، لا سيما في بعض المعاني مثل الصلاة ، الزكاة ، الجوع ، الخوف ، الجنة والنار، الرغبة والرهبة ، الجن والأنس...الخ ، ومن جانب آخر فهناك من المعاني التي تتطلب انصراف المتلقي في تفسيرها من معناها الحاضر إلى شيء من التأويل الذي يجلي المفهوم الحقيقي للمعنى الأول الحاضر، من ذلك قوله تعالى:"هذا نزلهم يوم الدين" والحقيقة المغيبة أن العذاب لا يكون نزلا ولكنه لما أقام العذاب لهم في موضع النعيم لغيرهم سمي باسمه، وايضا قوله تعالى: " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا" وليس في الجنة بكرة ولا عشي ولكن على مقدار البكر والعشيات، وأما قوله تعالى: " وقال الذين في النار لخزنة جهنم" والخزنة هم الحفظة وجهنم لا يضيع منها شيء منها فيحفظ ولا يختار دخولها إنسان فيمنع منها ولكن لما قامت الملائكة مقام الحافظ الخازن سميت به) . ومن المعاني التي استعملها العرب في كثير من اشعارهم ثم جاء بها القرآن الكريم في ما بعد ما أورده الجاحظ في حديثه الطويل في (باب العصا) فقال : ( أنظر ابقاك الله في كم فن تصرف فيه ذكر العصا من ابواب المنافع والمرافق وفي كم وجه صرفه الشعراء وضرب به المثل ونحن لو تركنا الاحتجاج لمخاصر البلغاء وعصي الخطباء لم نجد بدا من الاحتجاج لجلة المرسلين وكبار النبيين) ، إذ اشار الجاحظ إن الاستعمال المتعدد للعصا لمنافعه وايحاءاته الجمة جعلت الانبياء يستعملوها قبل أن يصور لهم الله أمرها ، إذ قال الله تعالى " وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى" وبعد ذلك قال تعالى : " قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ " القضايا النقدية التي احتواها البيان والتبيين كثيرة ومتنوعة وما أشرنا إليه ما هو الا جزء يسير جدا منه، إذ ليست غاية المقال بيلوغرافيا عن الكتاب بقدر ما هي رسالة أو خطاب موجه منذ القدم الى حاضرنا هذا على الإنسان عامة والأديب خاصة أن يتحلى بالحقيقة القرآنية سواء كانت لغوية أو علمية فهو دليل حي باقٍ لا حقيقة فوقه.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

القرآن الكريم دليلًا نقديًا في كتاب البيان والتبيين للجاحظ (ت 255هـ)
Image 1
تاريخ النشر 2020-09-15

القرآن الكريم دليلًا نقديًا في كتاب البيان والتبيين للجاحظ (ت 255هـ) الكاتبة : م.م ضحى ثامر يعد القرآن الكريم أعلى درجات الفصاحة وخير ممثل للغة العربية، وكل شيء يثبت بالدليل القرآني لا يقبل التخطئة، إذ قال الراغب الاصفهاني(الفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وإليها مفزع الشعراء والبلغاء وما عداها قشور) ، ولهذا الخطاب مناسبته بعد أن اصبحت اللغة العربية لغة يصعب فهمها؛ نتيجة انحراف كلام العرب عن قواعد النحو والصرف، فكثر فيها اللّحن والخطأ بعد دخول الأمم الأخرى في اعتناق الإسلام وتأثر كلٌ بالآخر، لذا نال الحظوة العالية من العناية والضبط والدقة في الأداء من زمن الرسول (ص) ومن بعده أصحابه (ع) وصار دليلا لغويا يرجع إليه في اثبات القضايا اللغوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ فهو منظومة ثقافية، وفي كتاب البيان والتبيين للكاتب ابي عثمان بن عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ مجموعة من القضايا النقدية التي تخص الأديب، وهذه الطروحات النقدية لم تتأتَ من العدم أو هي اجتهادات شخصية ، بل مستمدة ومعتمدة على كتاب اللغة والبلاغة والفصاحة الأول (القرآن الكريم)، فهو دليل في صحة أو عدم صحة بعض الالفاظ والمعاني التي يبثها الأديب في طروحاته، من ذلك ما أورده من خبر بشأن فصاحة أهل البصرة وأهل مكة ويثبتها بالدليل القرآني: ( حدثني أبو سعيد عبد الكريم بن روح قال: قال: أهل مكة لمحمد بن المناذر الشاعر ليست لكم معاشر أهل البصرة لغة فصيحة انما الفصاحة لنا أهل مكة فقال : ابن المناذر أما ألفاظنا فأحكى الالفاظ للقرآن وأكثرها له موافقة فضعوا القرآن بعد هذا حيث شئتم أنتم تسمون القدر برمة وتجمعون البرمة على برام ونحن نقول قدر ونجمعها على قدور وقال الله عز وجل " :وجفانٍ كالجوابِ وقدورٍ راسياتٍ" وانتم تسمون البيت اذا كان فوق البيت علية وتجمعون هذا الاسم على علالي ونحن نسميه غرفة ونجمعها على غرفات وغرف وقال الله تبارك وتعالى: "غرف من فوقها غرف مبنية" وقال: " وهم في الغرفات آمنون" وانتم تسمون الطلع الكافور والاغريض ونحن نسميه الطلع وقال الله عز وجل : " ونخل طلعها هضيم" ) ومن القضايا النقدية الأُخر التي عرضها الجاحظ هي ذكره لما ينبغي أن يبتعد الشاعر عنه مثل بعض المعاني التي لا تتناسب مع الخلق الإنساني والحقيقة القرآنية التي ورد ذمها في القرآن الكريم، فقد استدل الجاحظ على عدم صحة الأشعار التي تنسب إلى الأمم البائدة مثل عاد وثمود إلى قوله تعالى : " وثمود فما أبقى" ثم قوله : " فهل ترى لهم باقية" إذ يعلق الجاحظ على تلك الاشعار المنسوبة بقوله : ( أنا اعجب من مسلم يصدق بالقرآن ويزعم أن في قبائل العرب من بقايا ثمود وكان أبو عبيده يتأول قوله وثمود فما أبقى أن ذلك إنما وقع على الأكثر وعلى الجمهور الأكبر وهذا التأويل أخرجه من ابي عبيدة سوء الرأي في القوم وليس له أن يجيء إلى خبر عام مرسل غير مقيد وخبر مطلق غير مستثنى منه فيجعله خاصا كالمستثنى منه وأي شيء بقي لطاعن أو متأول بعد قوله فهل ترى لهم باقية فكيف يقول ذلك إذا كنا نحن قد نرى منهم في كل حي باقية معاذ الله من ذلك ) . ولعل الجاحظ أراد أن يشير إلى أن من المستحسن عدم مخالفة القرآن الكريم فيما إذا اراد الأديب أن يوظف بعضا من المعاني القرآنية في نصه الأدبي ، لا سيما في بعض المعاني مثل الصلاة ، الزكاة ، الجوع ، الخوف ، الجنة والنار، الرغبة والرهبة ، الجن والأنس...الخ ، ومن جانب آخر فهناك من المعاني التي تتطلب انصراف المتلقي في تفسيرها من معناها الحاضر إلى شيء من التأويل الذي يجلي المفهوم الحقيقي للمعنى الأول الحاضر، من ذلك قوله تعالى:"هذا نزلهم يوم الدين" والحقيقة المغيبة أن العذاب لا يكون نزلا ولكنه لما أقام العذاب لهم في موضع النعيم لغيرهم سمي باسمه، وايضا قوله تعالى: " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا" وليس في الجنة بكرة ولا عشي ولكن على مقدار البكر والعشيات، وأما قوله تعالى: " وقال الذين في النار لخزنة جهنم" والخزنة هم الحفظة وجهنم لا يضيع منها شيء منها فيحفظ ولا يختار دخولها إنسان فيمنع منها ولكن لما قامت الملائكة مقام الحافظ الخازن سميت به) . ومن المعاني التي استعملها العرب في كثير من اشعارهم ثم جاء بها القرآن الكريم في ما بعد ما أورده الجاحظ في حديثه الطويل في (باب العصا) فقال : ( أنظر ابقاك الله في كم فن تصرف فيه ذكر العصا من ابواب المنافع والمرافق وفي كم وجه صرفه الشعراء وضرب به المثل ونحن لو تركنا الاحتجاج لمخاصر البلغاء وعصي الخطباء لم نجد بدا من الاحتجاج لجلة المرسلين وكبار النبيين) ، إذ اشار الجاحظ إن الاستعمال المتعدد للعصا لمنافعه وايحاءاته الجمة جعلت الانبياء يستعملوها قبل أن يصور لهم الله أمرها ، إذ قال الله تعالى " وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى" وبعد ذلك قال تعالى : " قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ " القضايا النقدية التي احتواها البيان والتبيين كثيرة ومتنوعة وما أشرنا إليه ما هو الا جزء يسير جدا منه، إذ ليست غاية المقال بيلوغرافيا عن الكتاب بقدر ما هي رسالة أو خطاب موجه منذ القدم الى حاضرنا هذا على الإنسان عامة والأديب خاصة أن يتحلى بالحقيقة القرآنية سواء كانت لغوية أو علمية فهو دليل حي باقٍ لا حقيقة فوقه.

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.