أنت في الصفحة : بحوث

بحوث
القرآنية في مجمع البيان، للطبرسي(ت548هـ)
القرآنية في مجمع البيان، للطبرسي(ت548هـ)
الباحث : م.م ضحى ثامر الجبوري

تأريخ النشر : 2021-02-12 16:48:19

الحلقة 1 إن القرآنية هي الآلية التي يستعملها المفسر في تفسير الآيات القرآنية، وقد تكون هذه الآلية القرآن نفسه اي تفسير القرآن بالقرآن، أو الحديث الشريف، أو اللغة التي اعتمد عليها العرب في تفسير القرآن...الخ، والقارئ يعرف بأن التفسير هو بيان المعاني والكشف عن المقاصد، فإذا كان الأديب يستعمل عدة آليات في تشكيل نصه وايصال معناه للمتلقي والتي يعد القرآن واحداً منها، كذلك المفسر يتوسل في تفسير النص القرآني وفق آليات تساعده في كشف عن مضامير النص، ويتخذها حجة يستدل بها، ثم يعتمد عليها في طرح رأيه أو تأويله، اذ نعلم أن الرأي منه محمودٌ وآخر مذموماً، فلكي يكون رأيه مقبولاً لابد أن يستعين بأسس الحجج والأدلة منها المباشرة كالقرآن والاحاديث المروية عن الرسول(ص) والصحابة والتابعين أن صح سندها، وغير مباشرة عن طريق اللغة من اشعار العرب الاقحاح وامثالهم وحكمهم، أو التأويل العقلي الذي يستند الى الجانب اللغوي والنحوي والبلاغي والقراءات المتواترة وغيرها . والقارئ لتفسير مجمع البيان يراه تفسيراً اجتهادياً ؛لأنه يعمل كل ما يمكن في طريق فهم القرآن من القرآن الكريم نفسه أو الحديث الشريف أو العقل الرشيد أو الادب الصحيح وغير ذلك مما يستدل به في تفسير القرآن، وهذا ما اشار اليه الطبرسي في مقدمة مجمعه حين قال : وقدمت في مطلع كل سورة ذكر مكيها ومدنيها، ثم ذكر الاختلاف في عدد آياتها، ثم ذكر فضل تلاوتها، ثم اقدم في كل آية الاختلاف في القراءات، ثم ذكر العلل والاحتجاجات، ثم ذكر العربية واللغات، ثم ذكر الإعراب والمشكلات، ثم ذكر الأسباب والنزولات، ثم ذكر المعاني والأحكام والتأويلات، والقصص والجهات، ثم ذكر انتظام الآيات. على أني قد جمعت في عربيته كل غرة لائحة، وفي إعرابه كل حجة واضحة، وفي معانيه كل قول متين، وفي مشكلاته كل برهان مبين، وهو بحمد الله للأديب عمدة، وللنحوي عدة، وللمقرئ بصيرة، وللناسك ذخيرة، وللمتكلم حجة، وللمحدث محجة، وللفقيه دلالة، وللواعظ آلة (مجمع البيان/ 1: 35). هذه المنهجية التي اتبعها في التفسير جعلت تفسيره يتميز بالنظم الفريد القائم على التقسيم والتنظيم والمحافظة على خواص القرآن، لخدمة القرآن لا خدمة اللغويين بالقرآن، ولا لخدمة الفقهاء بالقرآن، بل جعلتهم في خدمة تفسيره . اولاً: القرآنية المباشرة . يمكن تعريفها بأنها التفسير المباشر للآية القرآنية بآيات أُخر تشابهها، وتقرب معناها، او بأحاديث نبوية، أو اقوال الصحابة والتابعين التي صح سندها، فالقرآن يعد المرجع الأول لفهم معانيه ونصوصه ودلالاته، وهذا المنهج له من الفاعلية والنجاح في فهم المعنى المراد، اذا امتلك المفسر أو المتأول أدوات فهمه، وبشكل يمكنه من معرفة خصوصيات ذلك النص ومميزاته. وقد ملك الطبرسي كل ذلك، فهو يستشهد بالقرآن لتأييد ما يذهب اليه في توضيح وتبيان معنى الآية من نظيراتها، معتمداً قوله تعالى: ((أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))، وقوله تعالى ((ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)) . 1- القرآن الكريم وهو يعني " تفسير القرآن بالقرآن ما كان يرجع اليه الصحابة في تعريف بعض معاني القرآن" ( التفسير والمفسرون /1: 115) ، وكان الرسول (ص) أول من عمد الى هذا السبيل، حين كان يستعين ببعض آيات القرآن الكريم ليشرح بها البعض الآخر، ففي قوله تعالى: ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ )) [البقرة: 124] قال الطبرسي: فأما معنى لفظة (كلماتٍ)، فمنها : اليقين، وذلك قوله عز وجل : ((وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)) [الأنعام: 75]، ومنها : المعرفة بالتوحيد والتنزيه عن التشبيه، حين نظر الى الكوكب والقمر والشمس، ومنها : الشجاعة، بدلالة قوله : ((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ)) [الأنبياء: 58] ومقاومته وهو واحد ألوفاً من اعداء الله تعالى، ومنها الحلم، وقد تضمنه قوله عز وجل : ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ )) [هود: 75]، ومنها : السخاء، ويدل عليه قوله : ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)) [الذاريات: 24]، ثم : العزلة عن العشيرة، وقد تضمنه قوله : ((وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [مريم: 48]، ثم : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان ذلك في قوله : ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ )) [مريم: 42]، ثم : دفع السيئة بالحسنة في جواب قول أبيه : (( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ))[مريم: 46، 47] ( مجمع البيان / 1: 277) . لقد عرض لبيان معنى (كلماتٍ) عدة اقاويل وروايات قيلت في شأنها قبل أن يدلي بتفسيره مع خضوعه للدليل القرآني، اذ يرى أن الله تعالى ابتلى ابراهيم (ع) أي أمره أو اختبره بكلماتٍ واعطى معناها المذكور في اعلاه، اضافة الى معانٍ أُخر مثل التوكل، المحنة، الصبر ...الخ ( مجمع البيان / 1: 275- 277)، جميعها تدل على هذا الاختبار، وقد توسّع في ذكر كثير من المعاني ليعطي للقارئ فهم ما يريده الله تعالى، لأن بعض النصوص القرآنية يبقى تأويلها لا يعلمه الا الله. ثانياً: الروايات نلاحظ نقل الروايات للتفسير بكثرة، سواء نقلاً عن الرسول (ص)، فهو أول من وضح مقاصد الآيات، وممن جاء بعده من أهل بيته والصحابة المنتجبين والتابعين، فكما يرى العلماء والمفسرون من اراد تفسير الكتاب العزيز يطلبه اولاً من القرآن، فإن اعياه ذلك طلبه من السنة، فإنها شارحة للقرآن موضحة له (ينظر: الاتقان في علوم القرآن :2/ 175) وكثيراً ما ينقل آراء مختلفة دون تقييم، وقد يذكر بعد ذكر الآراء رأيه، كما قد يجمع الأقوال المختلفة، ففي تفسير كلمة (الكوثر) من قوله تعالى: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) [الكوثر: 1] يقول: اختلفوا في تفسير الكوثر، فقيل : هو نهر في الجنة، عن عائشة وابن عمر، قال ابن عباس : لما نزلت ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) : صعد رسول الله المنبر فقرأها على الناس، فلما نزل قالوا : يا رسول الله ما هذا الذي أعطاك الله؟ قال: أفلا أخبركم بأنعم منها ؟ قالوا : بلى قال : من أكل الطير وشرب الماء، فاز برضوان الله، وروي عن ابي عبد الله عليه السلام أنه قال : نهر في الجنة اعطاه الله نبيه صلى الله عليه واله وسلم عوضاً من ابنه، وقيل : هو حوض النبي صلى الله عليه واله وسلم الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة، عن عطاء، وقال انس :بينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسماً،فقلت ما أضحك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ سورة الكوثر، ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : فإنه نهر وعدنيه عليه ربي خيراً كثيراً هو حوضي، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء، فيختلج القرن منهم، فأقول : يارب إنهم من أمتي فيقال :إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، أورده مسلم في الصحيح، وقيل : الكوثر : الخير الكثير، عن ابن عباس وابن جبير ومجاهد، وقيل : هو كثرة الأصحاب والأشياع، عن ابي بكر ابن عياش،وقيل : هو كثرة النسل والذرية، وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة عليها السلام، حتى لا يحصى عددهم، واتصل الى يوم القيامة مددهم،وقيل : رووه عن الصادق عليه السلام ( مجمع البيان / 10 : 837) . بعد طرحه لمجموعة من اقوال الرسول (ص) والصحابة والمفسرين بشأن معنى (الكوثر) ابدى رأيه، فهو يرى أن اللفظ يحتمل للكل، فيجب ان يحمل على جميع ما ذكر من الأقوال، فقد اعطاه الله سبحانه وتعالى الخير الكثير في الدنيا، ووعده الخير الكثير في الآخرة، وجميع هذه الأقوال تفصيل للجملة التي هي الخير الكثير في الدارين ( مجمع البيان / 10 : 837- 838) .
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

القرآنية في مجمع البيان، للطبرسي(ت548هـ)
Image 1
تاريخ النشر 2021-02-12

الحلقة 1 إن القرآنية هي الآلية التي يستعملها المفسر في تفسير الآيات القرآنية، وقد تكون هذه الآلية القرآن نفسه اي تفسير القرآن بالقرآن، أو الحديث الشريف، أو اللغة التي اعتمد عليها العرب في تفسير القرآن...الخ، والقارئ يعرف بأن التفسير هو بيان المعاني والكشف عن المقاصد، فإذا كان الأديب يستعمل عدة آليات في تشكيل نصه وايصال معناه للمتلقي والتي يعد القرآن واحداً منها، كذلك المفسر يتوسل في تفسير النص القرآني وفق آليات تساعده في كشف عن مضامير النص، ويتخذها حجة يستدل بها، ثم يعتمد عليها في طرح رأيه أو تأويله، اذ نعلم أن الرأي منه محمودٌ وآخر مذموماً، فلكي يكون رأيه مقبولاً لابد أن يستعين بأسس الحجج والأدلة منها المباشرة كالقرآن والاحاديث المروية عن الرسول(ص) والصحابة والتابعين أن صح سندها، وغير مباشرة عن طريق اللغة من اشعار العرب الاقحاح وامثالهم وحكمهم، أو التأويل العقلي الذي يستند الى الجانب اللغوي والنحوي والبلاغي والقراءات المتواترة وغيرها . والقارئ لتفسير مجمع البيان يراه تفسيراً اجتهادياً ؛لأنه يعمل كل ما يمكن في طريق فهم القرآن من القرآن الكريم نفسه أو الحديث الشريف أو العقل الرشيد أو الادب الصحيح وغير ذلك مما يستدل به في تفسير القرآن، وهذا ما اشار اليه الطبرسي في مقدمة مجمعه حين قال : وقدمت في مطلع كل سورة ذكر مكيها ومدنيها، ثم ذكر الاختلاف في عدد آياتها، ثم ذكر فضل تلاوتها، ثم اقدم في كل آية الاختلاف في القراءات، ثم ذكر العلل والاحتجاجات، ثم ذكر العربية واللغات، ثم ذكر الإعراب والمشكلات، ثم ذكر الأسباب والنزولات، ثم ذكر المعاني والأحكام والتأويلات، والقصص والجهات، ثم ذكر انتظام الآيات. على أني قد جمعت في عربيته كل غرة لائحة، وفي إعرابه كل حجة واضحة، وفي معانيه كل قول متين، وفي مشكلاته كل برهان مبين، وهو بحمد الله للأديب عمدة، وللنحوي عدة، وللمقرئ بصيرة، وللناسك ذخيرة، وللمتكلم حجة، وللمحدث محجة، وللفقيه دلالة، وللواعظ آلة (مجمع البيان/ 1: 35). هذه المنهجية التي اتبعها في التفسير جعلت تفسيره يتميز بالنظم الفريد القائم على التقسيم والتنظيم والمحافظة على خواص القرآن، لخدمة القرآن لا خدمة اللغويين بالقرآن، ولا لخدمة الفقهاء بالقرآن، بل جعلتهم في خدمة تفسيره . اولاً: القرآنية المباشرة . يمكن تعريفها بأنها التفسير المباشر للآية القرآنية بآيات أُخر تشابهها، وتقرب معناها، او بأحاديث نبوية، أو اقوال الصحابة والتابعين التي صح سندها، فالقرآن يعد المرجع الأول لفهم معانيه ونصوصه ودلالاته، وهذا المنهج له من الفاعلية والنجاح في فهم المعنى المراد، اذا امتلك المفسر أو المتأول أدوات فهمه، وبشكل يمكنه من معرفة خصوصيات ذلك النص ومميزاته. وقد ملك الطبرسي كل ذلك، فهو يستشهد بالقرآن لتأييد ما يذهب اليه في توضيح وتبيان معنى الآية من نظيراتها، معتمداً قوله تعالى: ((أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))، وقوله تعالى ((ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)) . 1- القرآن الكريم وهو يعني " تفسير القرآن بالقرآن ما كان يرجع اليه الصحابة في تعريف بعض معاني القرآن" ( التفسير والمفسرون /1: 115) ، وكان الرسول (ص) أول من عمد الى هذا السبيل، حين كان يستعين ببعض آيات القرآن الكريم ليشرح بها البعض الآخر، ففي قوله تعالى: ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ )) [البقرة: 124] قال الطبرسي: فأما معنى لفظة (كلماتٍ)، فمنها : اليقين، وذلك قوله عز وجل : ((وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)) [الأنعام: 75]، ومنها : المعرفة بالتوحيد والتنزيه عن التشبيه، حين نظر الى الكوكب والقمر والشمس، ومنها : الشجاعة، بدلالة قوله : ((فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ)) [الأنبياء: 58] ومقاومته وهو واحد ألوفاً من اعداء الله تعالى، ومنها الحلم، وقد تضمنه قوله عز وجل : ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ )) [هود: 75]، ومنها : السخاء، ويدل عليه قوله : ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ)) [الذاريات: 24]، ثم : العزلة عن العشيرة، وقد تضمنه قوله : ((وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [مريم: 48]، ثم : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان ذلك في قوله : ((يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ )) [مريم: 42]، ثم : دفع السيئة بالحسنة في جواب قول أبيه : (( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ))[مريم: 46، 47] ( مجمع البيان / 1: 277) . لقد عرض لبيان معنى (كلماتٍ) عدة اقاويل وروايات قيلت في شأنها قبل أن يدلي بتفسيره مع خضوعه للدليل القرآني، اذ يرى أن الله تعالى ابتلى ابراهيم (ع) أي أمره أو اختبره بكلماتٍ واعطى معناها المذكور في اعلاه، اضافة الى معانٍ أُخر مثل التوكل، المحنة، الصبر ...الخ ( مجمع البيان / 1: 275- 277)، جميعها تدل على هذا الاختبار، وقد توسّع في ذكر كثير من المعاني ليعطي للقارئ فهم ما يريده الله تعالى، لأن بعض النصوص القرآنية يبقى تأويلها لا يعلمه الا الله. ثانياً: الروايات نلاحظ نقل الروايات للتفسير بكثرة، سواء نقلاً عن الرسول (ص)، فهو أول من وضح مقاصد الآيات، وممن جاء بعده من أهل بيته والصحابة المنتجبين والتابعين، فكما يرى العلماء والمفسرون من اراد تفسير الكتاب العزيز يطلبه اولاً من القرآن، فإن اعياه ذلك طلبه من السنة، فإنها شارحة للقرآن موضحة له (ينظر: الاتقان في علوم القرآن :2/ 175) وكثيراً ما ينقل آراء مختلفة دون تقييم، وقد يذكر بعد ذكر الآراء رأيه، كما قد يجمع الأقوال المختلفة، ففي تفسير كلمة (الكوثر) من قوله تعالى: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) [الكوثر: 1] يقول: اختلفوا في تفسير الكوثر، فقيل : هو نهر في الجنة، عن عائشة وابن عمر، قال ابن عباس : لما نزلت ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) : صعد رسول الله المنبر فقرأها على الناس، فلما نزل قالوا : يا رسول الله ما هذا الذي أعطاك الله؟ قال: أفلا أخبركم بأنعم منها ؟ قالوا : بلى قال : من أكل الطير وشرب الماء، فاز برضوان الله، وروي عن ابي عبد الله عليه السلام أنه قال : نهر في الجنة اعطاه الله نبيه صلى الله عليه واله وسلم عوضاً من ابنه، وقيل : هو حوض النبي صلى الله عليه واله وسلم الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة، عن عطاء، وقال انس :بينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسماً،فقلت ما أضحك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ سورة الكوثر، ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : فإنه نهر وعدنيه عليه ربي خيراً كثيراً هو حوضي، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء، فيختلج القرن منهم، فأقول : يارب إنهم من أمتي فيقال :إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، أورده مسلم في الصحيح، وقيل : الكوثر : الخير الكثير، عن ابن عباس وابن جبير ومجاهد، وقيل : هو كثرة الأصحاب والأشياع، عن ابي بكر ابن عياش،وقيل : هو كثرة النسل والذرية، وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة عليها السلام، حتى لا يحصى عددهم، واتصل الى يوم القيامة مددهم،وقيل : رووه عن الصادق عليه السلام ( مجمع البيان / 10 : 837) . بعد طرحه لمجموعة من اقوال الرسول (ص) والصحابة والمفسرين بشأن معنى (الكوثر) ابدى رأيه، فهو يرى أن اللفظ يحتمل للكل، فيجب ان يحمل على جميع ما ذكر من الأقوال، فقد اعطاه الله سبحانه وتعالى الخير الكثير في الدنيا، ووعده الخير الكثير في الآخرة، وجميع هذه الأقوال تفصيل للجملة التي هي الخير الكثير في الدارين ( مجمع البيان / 10 : 837- 838) .

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.