أنت في الصفحة : بحوث

بحوث
الحجة القرآنية في القصيدة الاندلسية النبوية
الحجة القرآنية في القصيدة الاندلسية النبوية
الباحث : م.م ضحى ثامر الجبوري

تأريخ النشر : 2021-07-06 13:57:31

يمثل الرسول الاعظم (ص) أكبر صورة متجسدة لرسالة القرآن الكريم ، وتفعيل قوانينه ، ونقلها من قانون مدون في اللوح المحفوظ ، والتدوين الورقي المقدس ، إلى قانون اجتماعي تعمل به الأمة الاسلامية ، وتتخذه دستورا لتنظيم الجوانب الحياتية كافة ، والامة العربية هي اكثر تفاعلا ومعرفة بذلك القانون الدستوري القرآني ؛ لأنه انبعث من رحم العرب ، وهو اكثر شمولية وتعديلا وتصحيحا لمبادئ العرب ، فكيف إذا كانت الرسالة القرآنية المتجسدة في شخصية الرسول الاعظم(ص) قد نشرت في بلاد غير عربية مثل الاندلس ، فقد تطلبت المعرفة بشخصية الرسول الكريم(ص) أولا وقيمته وأهم المبادئ القرآنية التي جاء بها وصولا إلى الايمان المطلق بالله تعالى ، فبعد أن قوت شوكة الاسلام في الاندلس منذ نهاية القرن الأول للهجرة وصولا إلى القرن السادس للهجرة التي بدأت الاحوال تتدهور وتضعف، نتيجة القوى المسيحية الاوربية التي شرعت في انتزاع الحواضر الاندلسية واحدة بعد الاخرى ، اخذ الشاعر الاندلسي يبث شجونه وهمومه عبر رسائل شعرية يتوسل بها النبي الكريم (ص) ، ويستمد منه العون والصبر عبر ذكر معجزاته المادية والمعنوية ، متكئًا على حجج في نسج ذلك كان أبرزها الحجة القرآنية الأكثر تأثيرا بالمتلقي واكثر اظهارا لعظمة الرسول (ص) ومعجزاته التي أكدها القرآن الكريم في أكثر من مرة التي ساعدت الشاعر في اثبات النبوة والتذكير بها في مجتمع غير عربي في أصله ويكاد يكون عهده متأخرًا في الاسلام ، ويتجلى ذلك في قول ابن الجنان: اللهُ زادَ مُحمداً تكريما وحباهُ فضلاً من لدنهُ عظيما واختصهُ في المرسلين كريما ذا رأفةٍ بالمؤمنين رحيما صلوا عليه وسلموا تسليما يحفل النص برؤى او غايات، الأولى ايضاح الكرم الإلهي لرسوله الكريم ، وهذا الكرم والعطاء لا يمنح إلى كل شخص ، وإنما بما تميز به شخصه الكريم (ص) فحباه الله وفضله على العالمين بقوله القرآني : ))لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ* فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)) ، والأخرى بيان الكرم المحمدي للمسلمين حين قال: ذا رأفةٍ بالمؤمنين رحيما ، وغاية الأنا الشاعرة تستجدي الآخر وتحثه على العطاء والتراحم وهم يعيشون حالة انفصال وتفكك ، فالشاعر على المستوى المعرفي يعيش بشخصية تختلف عن الشخصية التي يعيشها في واقعهِ اليومي ، لذلك اخذ يصب مواقفه عبر المدائح النبوية واغراضه ايقاظا للشعور الاسلامي . لقد حققت الدعوة الاسلامية قيمًا تأثيرية بالمجتمع أيًّا كان هذا المجتمع، فاستمد قيمه ومبادئه أو بعضًا منها من الحقيقة المحمدية، فأخذ الشاعر يكشف عن سياق الحال ، والموقف الإنساني عبر مراوغته اللغوية ، إذ إن اللغة اداته التعبيرية يبدع عبرها في اظهار تلك الصور، فيدلي الشاعر ردة فعل المجتمع تجاه الممدوح حين قال ابو العلاء ادريس : فاقت علا ذكراه اذ راقت حلى ملأ النبوة امهم حين اعتلى في ليلة الاسراء اعلى معتلى كتب الاله له التقدم في العلا وعليهم التفويض والتسليم ادلى النص إلى اتجاهات عدة ، الأول: تمثل بـ (الأنا الشاعرة) ودورها في بيان نبوة الرسول الأكرم(ص) عبر الصياغة الفنية ذات الاسلوب الاقتباسي من القرآن الكريم من قصة ليلة الاسراء، من قوله تعالى: ((عند سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)) لإثارة عواطف المتلقي عبر تأكيده على اعتلاء قدمه الطاهرة ذلك المكان المقدس الذي لم تطأه قدم غيره . الاتجاه الثاني: تمثل في فضل الله تعالى عليه بهذا التشريف العظيم، فكان أقرب المقربين اليه إذ تخطى الارض والسماء فوصل الى قاب قوسين او أدنى عبر سدرة المنتهى. الاتجاه الثالث: حاول عبره الشاعر ايصال فاعلية الآخر(المجتمع) او الامة الاسلامية تجاه الآخر(الرسول الاكرم (ص) فتمثلت فاعليته في مقبولية رسالته (القرآن) التي كانت وما زالت محل التفويض والتسليم من لدن الآخر. ومما يلفت النظر في بعض قصائد المديح النبوي، أن الشاعر فيها يعقد خطاباً شعرياً عناصره ذوات عدة أولها الذات المرسلة (الأنا الشاعرة)، فمثلاً قول ابن عربي: ويكونُ هذا السيدُ العلمُ الذي جردتهُ من دورَةِ الخلفاءِ وجعلتهُ الأصلَ الكريمَ وآدمٌ ما بين طِينةِ خلقهِ والماءِ ونقلتهُ حتى استدارَ زَمانُهُ وعطفتَ آخرهُ على الأبداءِ فأقمتهُ عبداً ذليلاً خاشعاً دهراً يناجيكم بغارِ حراءِ حتى أتاهُ مبشراً من عندكم جبريلٌ المخصوصُ بالأنباءِ قال السلامُ عليك أنت محمدٌ سِرُّ العبادِ وخاتمُ الانُّبياءِ تجلت عناصر الخطاب بـ المرسل(انا الشاعر) المتكلم الذي أراد أن يوجه خطابه للمرسل إليه (الله تعالى) ، والرسول (ص) هو الموضع أو الحدث الذي استدعى الخطاب حين نسب الشاعر ضمير الغائب له ( جردته ، جعلته، نقلته ...الخ) وما اراده الشاعر تبيان الحقيقة المحمدية ووجودها الازلي قبل وجود ادم ، وغار حراء شاهدا على تلك الحقيقة بوصفه المكان الذي انبرت منه تلك الحقيقة بنزول الوحي عليه . فالأنا الشاعرة بفكرها الصوفي كانت أداة إيصال موجز لتلك الحقيقة بأسلوب سلسل واقل غموضا مستمدة حدثها من القرآن الكريم، والغرض منها التأصيل في نفوس جماهير المسلمين بأسلوب شعري واضح بعيدا عن المبالغات التي تشغل ذهن القارئ الاندلسي وتبعده عن هدف الشاعر في تحفيزه وبث روح الأمل والعزيمة، من بعد الاحباط والضياع الذي تمر به الاندلس. فالمعاني التي جاء بها الشاعر الاندلسي على الأغلب مقتبسة من القرآن الكريم؛ لأنه اراد توثيق نصه لكي لا يتهم بالغلو والمبالغة والابتعاد عن الحقيقة، وهذه نقطة ربما ركز عليها الشاعر، لتكون حجة له امام الاخرين من غير المسلمين.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

الحجة القرآنية في القصيدة الاندلسية النبوية
Image 1
تاريخ النشر 2021-07-06

يمثل الرسول الاعظم (ص) أكبر صورة متجسدة لرسالة القرآن الكريم ، وتفعيل قوانينه ، ونقلها من قانون مدون في اللوح المحفوظ ، والتدوين الورقي المقدس ، إلى قانون اجتماعي تعمل به الأمة الاسلامية ، وتتخذه دستورا لتنظيم الجوانب الحياتية كافة ، والامة العربية هي اكثر تفاعلا ومعرفة بذلك القانون الدستوري القرآني ؛ لأنه انبعث من رحم العرب ، وهو اكثر شمولية وتعديلا وتصحيحا لمبادئ العرب ، فكيف إذا كانت الرسالة القرآنية المتجسدة في شخصية الرسول الاعظم(ص) قد نشرت في بلاد غير عربية مثل الاندلس ، فقد تطلبت المعرفة بشخصية الرسول الكريم(ص) أولا وقيمته وأهم المبادئ القرآنية التي جاء بها وصولا إلى الايمان المطلق بالله تعالى ، فبعد أن قوت شوكة الاسلام في الاندلس منذ نهاية القرن الأول للهجرة وصولا إلى القرن السادس للهجرة التي بدأت الاحوال تتدهور وتضعف، نتيجة القوى المسيحية الاوربية التي شرعت في انتزاع الحواضر الاندلسية واحدة بعد الاخرى ، اخذ الشاعر الاندلسي يبث شجونه وهمومه عبر رسائل شعرية يتوسل بها النبي الكريم (ص) ، ويستمد منه العون والصبر عبر ذكر معجزاته المادية والمعنوية ، متكئًا على حجج في نسج ذلك كان أبرزها الحجة القرآنية الأكثر تأثيرا بالمتلقي واكثر اظهارا لعظمة الرسول (ص) ومعجزاته التي أكدها القرآن الكريم في أكثر من مرة التي ساعدت الشاعر في اثبات النبوة والتذكير بها في مجتمع غير عربي في أصله ويكاد يكون عهده متأخرًا في الاسلام ، ويتجلى ذلك في قول ابن الجنان: اللهُ زادَ مُحمداً تكريما وحباهُ فضلاً من لدنهُ عظيما واختصهُ في المرسلين كريما ذا رأفةٍ بالمؤمنين رحيما صلوا عليه وسلموا تسليما يحفل النص برؤى او غايات، الأولى ايضاح الكرم الإلهي لرسوله الكريم ، وهذا الكرم والعطاء لا يمنح إلى كل شخص ، وإنما بما تميز به شخصه الكريم (ص) فحباه الله وفضله على العالمين بقوله القرآني : ))لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ* فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)) ، والأخرى بيان الكرم المحمدي للمسلمين حين قال: ذا رأفةٍ بالمؤمنين رحيما ، وغاية الأنا الشاعرة تستجدي الآخر وتحثه على العطاء والتراحم وهم يعيشون حالة انفصال وتفكك ، فالشاعر على المستوى المعرفي يعيش بشخصية تختلف عن الشخصية التي يعيشها في واقعهِ اليومي ، لذلك اخذ يصب مواقفه عبر المدائح النبوية واغراضه ايقاظا للشعور الاسلامي . لقد حققت الدعوة الاسلامية قيمًا تأثيرية بالمجتمع أيًّا كان هذا المجتمع، فاستمد قيمه ومبادئه أو بعضًا منها من الحقيقة المحمدية، فأخذ الشاعر يكشف عن سياق الحال ، والموقف الإنساني عبر مراوغته اللغوية ، إذ إن اللغة اداته التعبيرية يبدع عبرها في اظهار تلك الصور، فيدلي الشاعر ردة فعل المجتمع تجاه الممدوح حين قال ابو العلاء ادريس : فاقت علا ذكراه اذ راقت حلى ملأ النبوة امهم حين اعتلى في ليلة الاسراء اعلى معتلى كتب الاله له التقدم في العلا وعليهم التفويض والتسليم ادلى النص إلى اتجاهات عدة ، الأول: تمثل بـ (الأنا الشاعرة) ودورها في بيان نبوة الرسول الأكرم(ص) عبر الصياغة الفنية ذات الاسلوب الاقتباسي من القرآن الكريم من قصة ليلة الاسراء، من قوله تعالى: ((عند سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)) لإثارة عواطف المتلقي عبر تأكيده على اعتلاء قدمه الطاهرة ذلك المكان المقدس الذي لم تطأه قدم غيره . الاتجاه الثاني: تمثل في فضل الله تعالى عليه بهذا التشريف العظيم، فكان أقرب المقربين اليه إذ تخطى الارض والسماء فوصل الى قاب قوسين او أدنى عبر سدرة المنتهى. الاتجاه الثالث: حاول عبره الشاعر ايصال فاعلية الآخر(المجتمع) او الامة الاسلامية تجاه الآخر(الرسول الاكرم (ص) فتمثلت فاعليته في مقبولية رسالته (القرآن) التي كانت وما زالت محل التفويض والتسليم من لدن الآخر. ومما يلفت النظر في بعض قصائد المديح النبوي، أن الشاعر فيها يعقد خطاباً شعرياً عناصره ذوات عدة أولها الذات المرسلة (الأنا الشاعرة)، فمثلاً قول ابن عربي: ويكونُ هذا السيدُ العلمُ الذي جردتهُ من دورَةِ الخلفاءِ وجعلتهُ الأصلَ الكريمَ وآدمٌ ما بين طِينةِ خلقهِ والماءِ ونقلتهُ حتى استدارَ زَمانُهُ وعطفتَ آخرهُ على الأبداءِ فأقمتهُ عبداً ذليلاً خاشعاً دهراً يناجيكم بغارِ حراءِ حتى أتاهُ مبشراً من عندكم جبريلٌ المخصوصُ بالأنباءِ قال السلامُ عليك أنت محمدٌ سِرُّ العبادِ وخاتمُ الانُّبياءِ تجلت عناصر الخطاب بـ المرسل(انا الشاعر) المتكلم الذي أراد أن يوجه خطابه للمرسل إليه (الله تعالى) ، والرسول (ص) هو الموضع أو الحدث الذي استدعى الخطاب حين نسب الشاعر ضمير الغائب له ( جردته ، جعلته، نقلته ...الخ) وما اراده الشاعر تبيان الحقيقة المحمدية ووجودها الازلي قبل وجود ادم ، وغار حراء شاهدا على تلك الحقيقة بوصفه المكان الذي انبرت منه تلك الحقيقة بنزول الوحي عليه . فالأنا الشاعرة بفكرها الصوفي كانت أداة إيصال موجز لتلك الحقيقة بأسلوب سلسل واقل غموضا مستمدة حدثها من القرآن الكريم، والغرض منها التأصيل في نفوس جماهير المسلمين بأسلوب شعري واضح بعيدا عن المبالغات التي تشغل ذهن القارئ الاندلسي وتبعده عن هدف الشاعر في تحفيزه وبث روح الأمل والعزيمة، من بعد الاحباط والضياع الذي تمر به الاندلس. فالمعاني التي جاء بها الشاعر الاندلسي على الأغلب مقتبسة من القرآن الكريم؛ لأنه اراد توثيق نصه لكي لا يتهم بالغلو والمبالغة والابتعاد عن الحقيقة، وهذه نقطة ربما ركز عليها الشاعر، لتكون حجة له امام الاخرين من غير المسلمين.

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.