أنت في الصفحة : بحوث
تأريخ النشر : 2021-07-06 14:01:22
أنت في الصفحة : بحوث
جاري التحميل ...
بالرغم من النجاح الذي أحرزه مؤمن آل فرعون في أثناء عزم فرعون على قتل الكليم (ع)، إلّا أنّه لم يستطع أن يثنيه عن غروره وتكبره وتعاليه إزاء الحق، لأنّ فرعون لم يكن ليملك مثل هذا الاستعداد أو اللياقة الكافية للهداية، لذلك نراه يواصل السير في نهجه الشرير، إذ يأمر وزيره هامان ببناء برج للصعود إلى السماء!! كي يجمع المعلومات عن إله موسى، ﴿وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب﴾. أي لعلي أحصل على وسائل وتجهيزات توصلني إلى السماوات. ﴿أسباب السماوات فاطلع إلى إله موسى وإنّي لأظنّه كاذباً﴾. ولكن ماذا كانت النتيجة؟! ﴿كذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلّا في تباب﴾ (49). إنّ أول ما يطالعنا هنا هو السؤال عن الهدف الذي كان فرعون يرغب بتحقيقه من خلال عمله هذا. هل كان فرعون بهذا المقدار من الغباء والحماقة والسذاجة بحيث يعتقد أن إله موسى موجود فعلاً في مكان ما من السماء؟ وإذا كان موجوداً في السماء، فهل يستطيع الوصول إليه بواسطة إقامة بناء مرتفع يعتبر ارتفاعه تافهاً إزاء جبال الكرة الأرضية؟ إنّ هذا الاحتمال ضعيف للغاية، ذلك لأنّ فرعون بالرغم من غروره وتكبره، فقد كان يمتاز بالذكاء والقدرة السياسية التي أهّلته للسيطرة على شعب كبير لسنين مديدة من خلال أساليب القهر والقوة والخداع. لذلك كلّه نرى الموقف يدعونا إلى تحليل هذا التصرف الفرعوني لمعرفة دواعيه وأهدافه الشيطانية. فمن خلال عملية التأمّل والتمحيص، يمكن أن تنتهي إلى ثلاثة أهداف كانت تكمن وراء هذا التصرّف والأهداف هذه هي: أولاً: أراد فرعون أن يختلق وضعاً يعمد من خلاله إلى إلهاء الناس وصرف أذهانهم عن قضية نبوة موسى (ع) وثورة بني إسرائيل. وقضية بناء مثل هذا الصرح المرتفع يمكن أن تحوز على اهتمام الناس، وتهيمن على اهتماماتهم الفكرية، وبالتالي إلى صرفهم عن القضية الأساسية. ثانياً: استهدف فرعون من خلال تنفيذ مشروع الصرح اشتغال أكبر قطّاع من الناس، وعلى الأخص العاطلين منهم، لكي يجد هؤلاء في الشغل انشغالاً- عن مظالم فرعون وينسون جرائمه وظلمه. من ناحية ثانية فإنّ اشتغال مثل هذا العدد الكثير يؤدي إلى ارتباطهم بخزانة فرعون وأمواله، وبالتالي ارتباطهم بنظامه وسياسته! ثالثاً: لقد كان من خطة فرعون بعد انتهاء بناء الصرح أن يصعد إلى أعلى نقطة فيه، ويرمق السماء ببصره، أو يرمي سهماً نحو السماء، ويرجع إلى الناس فيقول لهم: لقد انتهى كلّ شيء بالنسبة لإله موسى. والآن انصرفوا إلى أعمالكم براحة بال!! أما بالنسبة إلى فرعون نفسه، فقد كان يعلم أنّه حتى لو ارتقى الجبال الشامخات التي تتطاول في علوها على صرحه، فإنّه سوف لن يشاهد أي شيء آخر يفترق عمّا يشاهده وهو يقف على الأرض المستوية يتطلع نحو السماء! والطريف في الأمر أنّ فرعون بعد قوله: ﴿فاطلع إلى موسى﴾ رجع خطوة إلى الوراء فنزل عن يقينه إلى الشك، حيث قال بعد ذلك: ﴿وإنّي لأظنه كاذباً﴾ إذ استخدم تعبير (أظن)! هنا ناقش جماعة من المفسّرين مسألة (الصرح)، وهل بنى فرعون (الصرح) حقّاً أم لا؟! ويبدو أن الذي شغل فكر المفسّرين هو أن هذا العمل لم يكن متزّناً بأيّ وجه وأي حساب. ترى.. ألم يكن الناس قد صعدوا الجبال من قبل فرأوا منظر السماء كما هو على الأرض؟. وهل البرج الذي يبنيه البشر أكثر ارتفاعاً من الجبل؟. وأي أحمق يصدق أنّه يمكن الوصول إلى السماء بواسطة مثل هذا البرج؟! ولكن أُولئك الذين يفكرون مثل هذا التفكير غفلوا عن هذه المسألة، وهي أن مصر لم تكن أرضاً جبلية، وبعد هذا كلّه نسوا أنّ الطبقة العامّة لأهل مصر بسطاء ويخدعون بشتى الوسائل. حتى في عصرنا الذي يسمى عصر العلم وعصر النور، نجد مسائل تشبه ما وقع في العصور الماضية ينخدع بها الناس. صعد البناء إلى مرحلة بحيث أصبح مشرفاً على جميع الأطراف. وكتب بعضهم: إنّ المعمارين بنوا هذا البرج بناءً بحيث جعلوا حوله سلالم حلزونية يمكن لراكب الفرس أن يرتقي إلى أعلى البرج. قتلتُ إله موسى ولمّا بلغ البناء تمامه ولم يستطع البناؤون أن يعلوه أكثر من ذلك.. جاء فرعون بنفسه يوماً وصعده بتشريفات خاصة.. فنظر إلى السماء فوجدها صافية كما كان ينظرها من الأرض لم تتغير ولم يطرأ عليها جديد. المعروف أنّه رمى سهماً إلى السماء، فرجع السهم مخضباً بالدم على أثر إصابته لأحد الطيور أو أنّها كانت خديعة من قبل فرعون من قبل.. فنزل فرعون من أعلى القصر وقال للناس: اذهبوا واطمأنوا فقد قتلت إله موسى. ومن المسلم به أن جماعة من البسطاء الذين يتبعون الحكومة اتباعاً أعمى وأصم، صدّقوا ما قاله فرعون ونشروه في كل مكان، وشغلوا الناس بهذا الخبر لإغفالهم عن الحقائق!. العقوبات التنبيهية لقد كان القانون الإِلهي العام في دعوة الأنبياء هو أنّهم كلّما واجهوا معارضة كان الله تعالى يبتلي الأقوام المعاندين بأنواع المشاكل والبلايا، ليتوجهوا إلى المبدأ القادر مصدر جميع النعم. وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذا المطلب في قصّة فرعون، إذ يقول تعالى: ﴿ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلّهم يذّكرون﴾. ومع أنّ القحط والجدب أصابا حاشية فرعون ومؤيديه أجمع، ولكن الخطاب موجه إلى خصوص أقربائه وخاصته، وهو إشارة إلى أن المهم هو أن يستيقظ هؤلاء، لأنّ بيدهم أزمة الناس. أن يضلوا الناس، أو يهدونهم، ولهذا توجه الخطاب إليهم فقط، وإن كان البلاء قد أصاب الآخرين أيضاً. ويجب ألا نستبعِد هذه النقطة، وهي أن الجدب كان يعدّ بلاءً عظيماً لمصر، لأنّ مصر كانت بلداً زراعياً، فكان الجدب مؤذياً لجميع الطبقات، ولكن من المسلّم أنّ آل فرعون وهم الأصحاب الأصليين للأراضي الزراعية وإنتاجها- كانوا أكثر تضرراً بهذا البلاء. ثمّ إنّ الجدب استمر عدّة سنوات. ولكن بدل أن يستوعب (آل فرعون) هذه الدروس الإلهية، ويستيقظوا من غفلتهم غفوتهم العميقة، أساءوا استخدام هذا الظرف والحالة، وفسّروها حسب مزاجهم، فإذا كانت الأحوال مطابقة لرغبتهم، وكانوا يعيشون في راحة واستقرار قالوا: إنّ الوضع الحسن هو بسبب جدارتنا، وصلاحنا ﴿فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه﴾. ولكن عندما تنزل بهم النوائب فإنّهم ينسبون ذلك إلى موسى (ع) وجماعته فوراً ويقولون هذا من شؤمهم: ﴿وإن تصبهم سيئةٌ يطّيروا بموسى ومن معه﴾. لكن القرآن الكريم قال في معرض الردّ عليهم: اعلموا أنّ منشأ كل شؤم وبلاء أصابكم إنّما هو من قبل الله، وأنّ الله تعالى أراد أن تصيبكم نتيجة أعمالكم المشؤومة، ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴿ألا إنّما طائرتهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾. نتابع في الحلقة القادمة إن شاء الله تتابع البلاء على بني إسرائيل وعاقبة فرعون.
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...